لا يجد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (اقرأ الانفصالي)، عيدروس الزبيدي، داعياً للحياء في مزاولته السلطة في عدن، سيما بعد تفويضه (مؤقتا؟) برئاسة مجلس القيادة الرئاسي، في غياب الرئيس رشاد العليمي، المقيم منذ أسابيع في السعودية. لا يرى الرجل لزوماً للتكاذُب الذي تمارسه رؤوسٌ معلومةٌ في مجلس القيادة هذا، والذي يضم ثمانية أعضاء، لا أحد منهم منذ مدة في عدن سوى الزبيدي الذي جاءت الأنباء أخيراً على تولّيه صلاحياتٍ ماليةً وسياسيةً واسعةً، سلّمها له العليمي.
يعرف الرجل ماذا يصنع، وماذا يريد، عندما ينشر صورا له في اجتماعاتٍ واستقبالاتٍ يعقدها مع وزراء ومسؤولين في دوائر ومؤسساتٍ وهيئاتٍ في الحكومة اليمنية (الشرعية) في مقرّ المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه، حيث علم دولة الجنوب الانفصالية (قيد الإنجاز)، وصور محمد بن زايد ومحمد بن راشد وخليفة بن زايد، وصفتُهُ في الموقع الإلكتروني الرسمي لمجلسه الانتقالي "الرئيس القائد". ويبدو في هذا كله صاحب السلطة الفعلية في عدن، ليس بمسؤوليته التي أحرزها من العليمي (ماذا عنه بالضبط؟)، وإنما، من قبل ومن بعد، بحالته الانفصالية المعلنة، المدعومة، أمنياً وسياسياً، من أبو ظبي.
لم يعد صحيحاً تماماً القول إنّ ثمّة مجلساً قيادياً رئاسياً يمثل الشرعية اليمنية، والذي جاء تشكيلُه، في إبريل/ نيسان الماضي، صيغةً لتطويق ما تردّد عن تبايناتٍ سعوديةٍ إماراتيةٍ في الميدان اليمني. وعلى الرغم من تنوّع التمثيل الفسيفسائي فيه لقوى سياسية وعسكرية في جبهات القتال ومواضع النفوذ والتأثير.
كان واضحاً أنّ الرقم الأهم في المجلس هو عيدروس الزبيدي (1967)، ابن محافظة الضالع التي استُحدثت إدارياً بعد الوحدة في 1990، الضابط في الدفاع الجوي، قائد ما سمّي سابقاً "الحراك الجنوبي" ومؤسّس ما عُرفت باسمها، حركة حق تقرير المصير (في الجنوب)، محافظ عدن سابقا بتسميةٍ من الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي.
نجا من أربع محاولات اغتيال، ونجا من كلّ محاولات إضعافه، بل وأمكن له، بما احتشدت له من عصبياتٍ جنوبية، وقدراتٍ تسليحية مستمرّة من الإمارات، أن يصبح في وسعه أن يستدعي إلى مكتبه في مقرّ المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي بداهة)، من يشاء ممن جرى تعيينهم مسؤولين يديرون شؤونا مدنية، ويخاطبهم بنبرة حاكم دولة اليمن الجنوبي التي يتطلّع إلى إعلانها، وقد صارت لها مظاهر بادية تكاد تؤكّدها أمرا واقعا.
هناك اهتراءٌ في بنية الشرعية اليمنية، وهياكلها ومؤسّسيّتها، لا يحتاج نظرا كثيرا فيه للتسليم بوجوده. والبادي في الأثناء أن شيئا من قلة الاكتراث ملحوظٌ في أداء العربية السعودية بشأن هذا الحال، سيما أنّ (الرئيس) رشاد العليمي وزملاء له في مجلس القيادة يستطيبون الإقامة في المملكة على المكوث في عدن، وليس في وسعهم المزاحمة مع عيدروس الزبيدي الذي تُبدي لنا التفاصيل المتواترة من عاصمة الجنوب أنه الحاكم الفعلي هناك، وهو الذي يتوطّن فيه طموحٌ معلن، وينتهج من أجل إنفاذه كل ما وسعَه من جهد، وكل ما تتيسّر له من إمكانات، سيما وأن ألوية العمالقة، التي لا تبخل عليها أبوظبي بالعتاد وغير العتاد، تُسعفه بانتصاراتٍ موضعيةٍ ميدانيةٍ تصبّ في طاحونته.
ربما يبدو مبكّراً الحديث عن يمن للحوثيين وآخر لعيدروس الزبيدي، غير أنّ جريان الوقائع على النحو الذي نرى يُعزّز تمكين مجلس هذا الرجل، وبتغطيةٍ ظاهرةٍ من مجلس القيادة الرئاسي، ليتدحرج الأمر الواقع إلى أن يصير المآل الذي سيُختتم به طورٌ مقبلٌ من المشهد اليمني.
وفي الأثناء، نجاحات الحوثيين لا تتوقف، وفي مقدورهم أن يكونوا إسرائيليين في التنصّل من أي التزاماتٍ أو تعهدات، كما قضية إنهاء حصار تعز، البند الأساسي الذي يُطالَبون به في مقابل ما أدّته الحكومة الشرعية من مطالب لهم، من قبيل السماح بدخول سفن الوقود عبر ميناء الحديدة، وإعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية التجارية.
يستعرض عيدروس الزبيدي في عدن قوته السياسية، المؤكّدة على أي حال، فهو "القائد الرئيس" هناك، ويشيع أخبار استقبالاته في مكتبه في المجلس الانتقالي حيث صورةٌ لمحمد بن زايد. وفي الحديدة ينظّم الحوثيون عرضا عسكريا بآلافٍ من عناصرهم بالزي العسكري، مع عشرات الطائرات المسيّرة والآليات الحربية.. وفي الغضون، يأتيك من يحدّثك عن رشاد العليمي رئيسا وحكومةٍ شرعيةٍ وجهودٍ للأمم المتحدة في اليمن.
اقراء أيضاً
نصرٌ مؤقّتٌ للعدالة
خُرّافية معبر رفح
عودة الوعي أم الوعي المفقود؟