المجلس المعلن عنه من قبل الحوثي وعفاش لإدارة البلاد، هو تعبير عن محاولة منهما لإدارة مشاكلهما في إطار الانقلاب، ولن يكون أكثر من ذلك..
فعفاش ظل دائما يرفض الاعتراف بالإعلان الدستوري الحوثي وسلطات محمد علي الحوثي المنبثقة منه، على الرغم من تعامل أنصاره معهما كسلطة أمر واقع. فهما جيرا الانقلاب لصالح الحوثي فقط، فيما حرما عفاش من أي مكسب منه، وعلى العكس من ذلك أديا لانتزاع الوظائف من أيدي أنصاره وتعطيل مجلس النواب الذي كان يمتلك الأغلبية فيه..
إلا ان الحوثي الذي يبدو أنه عجز عن الاستئثار بالكعكة كاملة، وأن ميليشياته قد أنهكت مع طول الحرب وتحت الحاجة لعفاش، خاصة عسكريا، عاد ليتقاسم الكعكة معه بالنصف بعد ان اقتطع لنفسه آلاف القرارات والتعيينات في الجهاز العسكري والمدني للدولة.
لطالما أراد عفاش اتفاقا مماثلا ليبقي على نفوذه في مؤسسات الدولة، ولم يمنحه الحوثي ذلك من قبل لرغبته هو أيضا في الحصول على حصة كبيرة منها، وهو بهذا الاتفاق يبقي لعفاش ما أبقى له منها، فيما يحتفظ لنفسه بما قد أخذ من تعيينات وقرارات، على اعتبار أن المجلس الجديد لن يلغي ما سبق.
وفي تفسيري، أن الحوثي أقدم على هذه الخطوة رغبة منه أن يحمل عفاش معه الكلفة العسكرية التي طالما ظل يحمل القسم الأكبر منها بعد أن تعاظمت الخسائر في صفوف ميليشياته. إلا أن ما أتوقعه هو أن عفاش سيأخذ منه هذا الاتفاق دون أن يتغير أداءه العسكري عما هو الآن، والذي يغلب عليه الاسناد أكثر من الانخراط الفعلي في الحرب..
كما أن هذا المجلس هو يلبي حاجة الحوثيين وعفاش لآلية مشتركة لمعالجة خلافاتهما خاصة فيما يتعلق بالنفوذ العسكري داخل العاصمة، وداخل مؤسسات الجيش والأمن التي لا تزال موالية لعفاش وينازعه الحوثي النفوذ عليها..
وربما يرى الحوثيون إن نفوذ عفاش داخل الجيش هو ما ظل يمنع عنهم استخدامه الا بالقدر الذي يسمح به هو، وربما يطمحون من خلال الشراكة السياسية معه بمشاركة أوسع للقوات النظامية المحسوبة عليه بما يخفف الضغط على ميليشياتهم التي ظلت تتلقى الخسائر الأكبر حتى الآن..
والسؤال لماذا أعلن الآن عن هذا المجلس مع مشارفة مفاوضات الكويت على الانتهاء؟! هي رسالة أراد من خلالها الحوثي وعفاش القول أنهم يملكون خيارات أخرى من غير المفاوضات، منها مقدرتهم على إعلان آلية مشتركة بينهما ليحكموا بشكل منفرد. إلا إنها خطوة منفعلة لا تفرق كثيرا عن إعلان الحوثيين للجنتهم الثورية التي لوحوا بها مرارا خلال مفاوضات موفمبيك بصنعاء مع الأحزاب السياسية، وبعد أن أعلنوا عنها لم يعترف بها أحد حتى حليفتهم ايران.
لن يعترف أحد بمجلس الحوثي-عفاش أيضا، فالعالم كله يؤيد شرعية هادي من خلال قرار مجلس الأمن ????، وبإجماع أعضاء المجلس الدولي، بمن فيهم روسيا التي تحفظت في البداية على القرار وعادت لتأييده. فالمدخل الوحيد للحصول على الشرعية هو من خلال الاتفاق مع الحكومة الشرعية، هذا ما تقوله الشرعية الدولية وأيضا ما تتفق عليه القوى العظمى وقوى الاقليم.
والشيء الوحيد الذي قد تضيفه هذه الخطوة على هذا المسار الذي ترعاه القوى العظمى في الكويت، هو القول إن الحوثي وعفاش هما من يعيقان التوصل للاتفاق السياسي، وهذا ما قاله بيان المبعوث الأممي صراحة بشأنها، الأمر الذي قد يخفف من الضغط الدولي على الشرعية وعلى التحالف العربي.
وهل يؤدي هذا إلى تأييد القوى العظمى للحسم العسكري؟!
في تقديري لن يحدث ذلك أيضا، سيكتفون برفضها، وهو أمر لا يقلل من شأنه، وسيجددون دعوتهم لكل الأطراف للعودة للحل السياسي كما هي العادة. إلا أن هذه الخطوة هي توفر للتحالف والشرعية بعض الوقت لإنجاز بعض التقدم العسكري على الأرض، بعيدا عن الضغوط الدولية التي كانت تتحجج بإعطاء فرصة للمفاوضات، بعد أن ظهر واضحا أن الحوثي وعفاش هما من يعيقان الحل السياسي، لا الشرعية والتحالف.
والحقيقة التي لا تتغير أيضا هي أن ما تحت الحوثي وعفاش، دولة غير قابلة للحياة، سواء حكمها الحوثي منفردا أو بالشراكة بينهما، بنفاد الموارد واستهلاك الاحتياطي الاجنبي، وبدون نفط مارب وحضرموت عصب الموارد المالية للبلاد.
هذه الخطوة هي ليست أكثر من محاولة من الحوثي وعفاش لإدارة خلافاتهما وتنسيق جهودهما لمواجهة التحديات المشتركة، إلا أنها، ومن حيث لم يشعرا، عكست فجوة عميقة لا تزال بين الطرفين، ومساحة كبيرة من انعدام الثقة، فهي تضيف أسئلة أكثر مما تعطي أجوبة عن طبيعة العلاقة الجديدة بينهما..؟!
فتسمية المجلس كسياسي وليس كرئاسي لإدارة الدولة، لا يوضح ما إذا كان مجلسا إشرافيا أو تنفيذا؟ وهل هو يشرف فقط على لجنة الحوثي الثورية أم هو يلغيها ويحل بديلا عنها..؟ وكذلك عدم تسمية أعضاء المجلس ورئيسه الدوري ونائبه مع الاعلان عنه، هو يعني أيضا أن الاتفاق لا يزال مبدئيا، وقد يحتاج لوقت للاتفاق بشأن التفاصيل الأخرى المتعلقة به، كتسمية الأعضاء والرئاسة الدورية، وطبيعة اتخاذ القرارات والصلاحيات الممنوحة له، ومستقبل كل من لجنة الحوثي ومجلس النواب، وهل يحتاجون لتشكيل حكومة أم لا..؟
إذ على الرغم من الإعلان عن هذا المجلس، من غير المؤكد أن الحوثيين وعفاش سيتفقون على الإجراءات الأخرى المتعلقة بإخراجه لحيز التنفيذ، وإن حدث فهو ايضا لن يشكل فارقا في واقع الانقلاب كما هو الآن أيضا.
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"©2016
اقراء أيضاً
مقاربة الأداء الأمريكي في الأزمة اليمنية..
لا مستقبل للإنقلاب
ما بعد الكويت.. مناورة سياسية وتصعيد عسكري