أفكر الآن أنني في مكتبة مكتبتي بشارع حدة، أجلس رفقة الدعيس هذا الشيخ الذي يعمل في تسويق الكتب ونتحدث عن بركة العسيلية في حصن حب ببعدان، يحدث ذلك بالطبع وأنا أرتدي معطفا رماديا وبيدي غليون من ذلك الذي يحمله الروائيون أثناء التوقيع على نسخ من رواياتهم، دون أن يلفتهم أحد الشغوفين لكون رائحة التبغ منفرة بعض الشيء.
كثيرا ما تدخلت الصورة المتداولة للروائيين بمعاطفهم الرمادية وقبعاتهم والنظارات السميكة بيني وبين التواجد الروائي للتوقيع أو لحضور ندوات أقيم بعضها عن تبادل الهزء ولم أحضر، إما بسبب القات أو الكسل، إذ ليس من المتعذر الحصول على نظارة أما الغليون فهو موجود في رف الشباك العلوي للمجلس نسيه عندي فكري قاسم وغادر تاركا البيب ورائحة صديق كأنه خرج من رواية تدور أحداثها في الجحملية.
أظنني سأكون هناك بعد غد أو الخميس بهيئة طالب ثانوية عامة يرتدي تي شيرت أسود نص كم للتوقيع على نسخ "قبل أن أقتل رويدا" بمزاج طالب هرب من حصة الرياضيات التي لا يفهمها وتشعره بالفشل، هرب إلى رواية لا يدري ما أن كانت حياته تدور داخلها أم أنها كذبة الفاشل في ضبط المعادلة.
قبل أن أقتل رويدا ليست سيرة ذاتية، وهذا ليس إنكارا لتواجدي في الحكايا الجنسية، ولكنه هكذا بدأت من روايتي الثانية أجد الخط الفاصل بين الكاتب والحكاية وإن كنت متيقنا أنه لا يمكن للروائي الافلات من حكايته مهما حاول، سيتواجد بطريقة أو بأخرى.
في تلك الأثناء سأفكر أن القيمة النقدية مرهقة في زمن كهذا، وأنه لا أنا ولا الشيخ المثقف الدعيس سيكسب منها لكن ربما يرضى المثقف المولع بالسرد بالمكسب الحكائي وهو يقتطعها من طعام أطفاله، على وعد مضمر مني للمستقبل عندما اكون ثريا ومشهورا أقدمها بمقابل رمزي، في المستقبل إما تتحسن ظروفي أو ظروف القارئ.
وألتفت بعدها للدعيس من بعدان نكمل حكاية بنت النظاري التي بقيت تراقب أباها من حافة سور حصن حب إلى عمق الوادي، وعندما تجمع خصومه عليه واختفى في احتشاد الضغينة، حملت بصائر واموال أبيها إلى الجانب الغربي من الحصن حيث بركة العسيلية، وقفت قبالة الموت والطحالب والماء، فكرت في عمامة أبيها الملقاة وفي وحشة الليل وقفزت صارخة: أمانتك يالعسيلية بنت النظاري وماله.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان اجتهاد المحرر"
اقراء أيضاً
السنوار بطل الوعي الجمعي
نحتاج قُضاة شُجعان
نبدو غرباء أكثر