بعد صلاة التراويح والعودة الى البيت وأنا أهم بتحريك سيارتي خارجاً،دنت من باب السيارة مباشرة وسألت:-
[أنت فلان وتسكن هنا؟]
(نعم) وهممتُ بإخراج مساعدة لها من جيبي..فقالت لالا..
[أنا زوجة زميلكم المرحوم فلان علمت أنك موجود في اليمن ولم تغادر،وأنك تسكن هنا،فجئتك].
(آه...نعم نعم، رحمة الله تغشاه، فقد توفي مريضاً بالقلب نعم)
[توفي بالقلب، وتوفيت عنه قلوبكم]
(الله المستعان،نحن مقصرون فعلاً،ولكن ولا يهمك نحن هنا).
أجابت :-اسمع باختصار
[تتذكرون جيداً وأنتم تزورونه قبيل وفاته وهو يستوصيكم ويقول :أولادي أمانتكم،أولادي أمانتكم،وأنتم تسبلون الدموع وتعدون بالمستحيل، اليوم ضاق بنا الحال بعد سنوات من وفاته،وضاقت أكثر في هذه الأوضاع وانقطاع المرتبات وسوء حال الناس.
كنا قد استأجرنا قبل عام ونصف غرفة تحتوينا أنا وابنتيه وابنه مجد ذي الأربعة عشر عاماً، وكنت حاولت العمل أنا وابنتي في تنظيف إحدى ?لل أحد أصحاب البلاد مقابل تصريف أمور حياتنا.
ولكن شعورنا بأننا مستثقلين جعلنا نترك،وبادر أحد أصحاب الحي بأخذ مجد للانتباه لمحله مقابل مصروفنا اليومي بجلوسه حارساً مفترضاً وشكلياً فقط في كرسي أمام المحل لا يقوى على فعل شيء بقدر مغالبة النوم كطفل وتحمل صلف العابرين من أقرانه والمارة.
آخرها قبل أيام عندما وقع أرضاً مع كرسيه بسبب النوم وتندر له ولحاله بعض الأطفال الذين كانوا بصحبة أبائهم لشراء مستلزماتهم العيدية.
ولكن أبا مجد طلب مني رعاية مجد وأشفق عليه من قبره،فقد جاءني في المنام متحسراً على وضعنا،ويبكي حالنا ويستحلفني ألا أفرط فيه وهو مازال طفلاً.
وأمام هذا لم أجد بداً من تنفيذ طلبه،وقد بعنا قطعة الأرض الصغيرة التي كان اشتراها،بعناها بثمن بخس لنسدد ما علينا من إيجارات الغرفة وبعض الديون،وكان المرحوم قد ترك قائمة بأسماء عشرة من زملائه استدان منهم خلال مرضه،،وعبرك أرجو أن أتمكن من التواصل معهم لتسديدهم.
(لا حول ولاقوه إلا بالله،طيب يا أختي بالنسبة للديون فالكل قد سامحه تماما)،أو هكذا أعتقد،،ثم أمام كل هذه المعاناة لماذا لم تتحدثي معنا فنحن موجودون.
أنتم زملاؤه من يفترض سؤالكم والمجيء والسؤال،ولكن هكذا قست الحياة ونسي الناس بعضهم،واكتشفنا أنه ليس أصعب وأمر من رحيل الأب،والآن أرجو مساعدتي في أمر قضاء الدين والتوصل بزملائه،فنحن عائدون من غرفة هنا الى غرفة في قريتنا البعيدة لافرق،،فبيتنا في مدينتنا الأخرى تعرض للتهدم جراء غارة جوية مجاورة ولقذائق المتصارعين،،وأولادي تَرَكُوا مقاعد الدراسة،وسنعود الى القرية لعلنا نجد حلاً.
قصة أبكتني أمامها بكاءً أفقدني التفكير،وحرمتني المنام منذ أيام،،فلم أجد ماأقوله لها،ولكنها ختمت "اسمع لو سمحت خلي أمرنا لله،هو المدبر،،معاناتي أيقظت زوجي من قبره،ومعاناة ملايين مثلي توقظ سكان القبور ولا أظنها ستوقظ أمراء الحرب وولاة الأمور...،وأمانتكم أولادي"
ياااااااه إنها غصةٌ تختزل واقعاً مراً،مراً للغاية.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
اليوم المشهود لتعز
حفلات "عقدة النقص"
مأساة شعب في "غربة البُن"