تحقق الحسابات الصhيونية باللغة العربية على الميديا الاجتماعية، ملابين المشاهدات وآلاف التعليقات وأحياناً التفاعل المتعدد بعشرات الآلاف.
يعكس هذا أمرين متناقضين للغاية: حرص المتفاعلين العرب على الرد على الافتراءات ومهاجمة سلوك الصهاينة أو التوافق معه أحياناً، للأسف، لكن ذلك في كل الأحوال يحقق هدف هذه الحسابات بصورة تامة.
إنشاء هذه الحسابات باللغة العربية على نحو مخطط ومدروس، له عديد أهداف: الوصول إلى المستخدمين العرب، للتشكيك في قضيتهم، وسرد رواية مختلقة وعاطفية عن "إسرائيل" المسالمة والمتقدمة وغير العدوة، وفي لحظات الحرب، المدافعة عن نفسها.
غير أن الهدف الأهم هو التطبيع الشعبي وهو أخطر أطوار هذه المصالحة الذهنية مع العدو. التطبيع بكسر حالة العزلة مع المحيط الجغرافي من خلال "الحوار" والتواصل، للتخلص من الصورة الذهنية في العقل العربي عن "إسرائيل" كدولة احتلال وتشكيل صورة غير حقيقية عنها "صديقة"، محبة للسلام وواحة للتعايش، وديمقراطية.
ما الذي تستقيده أنت كعربي بالتخاطب مع إيدي كوهين أو افيخاي أدرعي الناطق بلسان جيش الاحتلال مثلاً؟
في هذه اللُعبة الخطرة بينما أنت تعتقد أنك أفحمتهما بالرد، يذهب جهدك عملياً لصالحهما بصورة كاملة. إن الاحتلال لا يسرق أرضنا فحسب، بل وأصواتنا الافتراضية بإرادتنا، وهذا أحد أكثر مشاهد الكوميديا السوداء إثارة!
ما هو المفيد في هذه المعركة التي تدور على المنصات الاجتماعية، في حروب السرديات التي تأخذ غالباً طابعاً دعائياً؟
بالتأكيد هناك نسبة لا تكاد تذكر من العرب هم الذين يجيدون اللغة العبرية وهم إما باحثون متخصصون أو مواطنون يخضعون لدولة الاحتلال.
يفترض أن هناك حسابات موجهة للمستخدمين الصهاينة بلغتهم.
على أن تكوم وظيفة هذه الحسابات تفنيد الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني بخطاب علمي، ذكي ومنطقي، واستثمار حالة الهشاشة التي تشكل شخصية المستوطن سيما في حالات الحرب.
هم يدركون أن فل سطين ليست أرضهم وأنهم محتلون وأنهم لن يحصلون على الأمن على حساب حقوق وشعب آخر، لكن ذلك لا يجب أن يظل رهن الحالة النفسية المرتبطة بالحرب.
يعد الاحتلال الصهيوني من أوائل الدول التي نشطت فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية. ومع بروز المنصات الاجتماعية كان الاحتلال من الأوائل على مستوى العالم الذين تنبهوا إلى كيفية توظيفها لكسر العزلة بالاشتغال على ما بات يعرف بالدبلوماسية الرقمية.
هم أيضاً ضمن أفضل عشر دول في العالم في كفاءة ممارستها، وقد أضافوا مساقات أكاديمية متخصصة في هذا النوع من الدبلوماسية للتأهيل في جامعاتهم. العرب كعادتهم يغطون في النوم أو يستخدمون المنصات كمستهلكين، فقط للتسلية.
الحالة المبتذلة الآن لبعض الخليجيين والعرب في الترحيب بكيان الاحتلال الإسرائيلي والسخرية من الفلسطينيين ومقاومتهم، ليست حصيلة التطبيع الرسمي فحسب، بل هي حصاد اختراق ونشاط مكثف لحسابات وسفارات صهيونية افتراضية على المنصات الاجتماعية.
بالإضافة إلى إطلاق حسابات حكومية بالعربية، هناك حسابات مثل "إسرائيل بالعربية" على فيسبوك ومنصة إكس "تويتر سابقا" يتابعها ملايين العرب. في 2011 أطلقوا سفارة افتراضية على منصة إكس موجهة للدول الخليجية.
وقبل سنوات تفطنت دوائر إدارة الدبلوماسية الرقمية إلى إنشاء حسابات صهيونية باللهجات المحلية مثل حساب إسرائيل باللهجة العراقية، لمزيد من التأثير.
في المقابل، إذا كان هناك اهتماماً حكومياً عربيا بتوظيف هذه الوسائل فهو ينصب نحو توجيهها من خلال ما بات يعرف "الذباب" أو اللجان الإلكترونية لشن الحملات على المعارضين أو الدعاية للحاكم.
إن أفضل طريقة للتفاعل مع حسابات وصفحات الاحتلال الصهيوني هو عدم التفاعل معها، وستموت من تلقاء نفسها.
إذا كنت مهتماً بالتعرف إلى الخطاب الصhيوني وكيف يفكرون، تابع حسابات الصحف والصحفيين ونخبهم بلغتهم. الحسابات الصهيونية الناطقة بالعربية جزء من شبكة التطبيع في الأوقات العادية وتشكيك العربي بقضيته وموقفه وهويته، وجزء من آلة الحرب النفسية في أوقات الحرب.
والآن: يمكنك توجيه السؤال لنفسك بصورة جدية: هل أنا على علاقة فعلياً مع الاحتلال الصهيوني دون أن أشعر.
*من صفحة الكاتب على "فيسبوك"
اقراء أيضاً
تعري المثقفين والسياسيين
فضيحة الأمم المتحدة