عندما نتحدث عن الولاية من المهم ان نبتعد قليلا عن جدلية الوصية والسقيفة، وعلي ومعاوية، والهاشمية والعباهلة.
خلاصة ما يمكن قوله في هذا الموضوع بأن الولاية هي الحاكمية، او السلطة، او الدولة، والدولة هي في الأصل دولة الانسان عموما، وليست دولة الدين، وعندما نقول دولة الانسان فهي دولة الانسان بمختلف اديانه، بالنظر الى المرحلة التي عاشها ويعيشها الانسان في ظل الدين الذي يحمله.
المعلوم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ودولة الانسان قائمة، وعليها حكام واباطرة وملوك، وكل ما فعله صلوات الله عليه هو انه دعاهم الى الإسلام، ووجه إليهم الرسائل بصفتهم السيادية، مستهلا رسائله بعبارات واضحة وهي: الى ملك الفرس...الى عظيم الروم... الى المقوقس عظيم القبط... وكلها عبارات تحمل صيغة الاعتراف بدولهم وانظمتهم وسيادتهم.
وكانت تلك الرسائل تحثهم فقط على الدخول في الإسلام بهدف تهذيب طغيانهم، ومن ثم الحفاظ على حكمهم من الزوال من خلال تبنيهم مبادئ الدين الجديد الداعية للعدالة والحرية والمساواة ورفع الظلم عن المستضعفين في الأرض، على ان تبقى تلك الأنظمة الحاكمة قائمه بصيغتها المعروفة، إذ لم ترشدهم تلك الرسائل الى شكل الحكم، ولا الى الفئة التي تحكم، ولا الفئات الخادمة من المحكومين، وهذا شان الرسالات كلها التي كانت تهدف الى تهذيب طغيان الملوك وليس الى انشاء الممالك وتحديد نخبها الحاكمة.
وعادة ما كان يوصف الدين الذي يدخل فيه الملك بدين الملك ، ولا يوصف الملك بانه ملك الدين لما لهذا الوصف من تكريس لمفهوم الدولة الدينية الثيوقراطية التي يرفضها الإسلام ، في حين ان دين الملك يعني دين الدولة ودين الأمة وهويتها الجامعة في اطار مفهوم دولة الانسان الضامنة للحقوق والحريات الإنسانية التي اكرم الله بها الانسان لإنسانيته وليس لدينه، وفي ضوء هذا المفهوم فان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعث من اجل ان يؤسس نظاما سياسيا ويحدد الفئة الحاكمة فيه، لأنه صلوات الله عليه مبلغ رسالة وحامل وحي السماء، وباني امة رشيدة، وهي الامة المعول عليها انتاج الدولة وفق المبادئ العدلية التي جاءت بها الرسالة، وفي اطار عقد اجتماعي متفق عليه بين الامة ومن يحكمها.
صحيح بان المصطفى صلوات الله عليه ارسى دعائم ومبادئ الحاكمية ، وارشدنا على الصعيد التطبيقي الى جميع مقاصد الحكم، ولكنه فعل ذلك بصفته نبيا مرسلا وبهدف تعليمنا كيف نسوس امرنا باعتباره النبي المعلم، فهو كما علمنا العبادات عمليا وقال "خذوا عني مناسككم" "وصلوا كما رأيتموني أصلي" علمنا أيضا كيف ندير شئوننا ونعقد تحالفاتنا، وندير شئوننا السياسية والعدلية، وهو ما يعني بان حضوره صلوات الله عليه في هذه التطبيقات السياسية هو حضور المعلم الذي علمنا أصول الحكم واوصانا بان نؤمر على انفسنا من نقتنع به، وامرنا بطاعته وترك لنا الامر في ذلك كله في اطار قوله تعالى " وامرهم شورى بينهم".
نعم، لقد حدث من التعارف والتوافق التاريخي الى حد الإجماع بان عصر النبي صلى الله عليه وسلم هو عصر نبوة خالصة محكوم بوحي السماء ، ولم يقل احد بانه عصر دولة ونظم سياسية ونخب حاكمة بصرف النظر عن التطبيقات السياسية والادارية التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم بالتشاور مع صحابته ومن ذلك انشاء كيان سيادي واداري يمثل الدولة او ما يشبه الدولة وذلك بهدف حماية الدعوة والمجتمع الاسلامي الوليد، ولم يكن ذلك الكيان في حينها يسمى دولة لان مصطلح الدولة كان متأخرا، وأيضا لم يسمى ملكا كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رفض ان يكون ملكا، لتنافي ذلك مع نبوته.
وبالتالي أطلق على هذا الكيان السيادي مصطلح "الأمر" وهو المصطلح القرآني، وإذا كانت الرسالة التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم غير قابله للتوريث كونه صلوات الله عليه خاتم الرسل والانبياء فان هذا المركز السيادي المسمى "بالأمر" هو الاخر غير قابل للتوريث لأنه لم يتبلور بعد على شكل نظام سياسي يمكن انتقاله بالتوريث، فضلا عن ان الإعلان عن حالة هذا الكيان السيادي كمعبر عن الدولة لم تطرح في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
بالنظر الى ان الجهد كله كان منصبا في ابلاغ الرسالة وبناء الامة والدفاع عنها، والأهم من ذلك كله ان مركزية هذا " الامر" قد حسم بنص القران الكريم (وامرهم شورى بينهم) وبالتالي أصبح هذا المركز حق للامة كلها ولا يقبل الوصية والتوريث باي حال من الأحوال.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
قضية قحطان
شعب البطولات
الحوثيون جماعة إرهابية ويبقى الموقف الدولي