الأداءاتُ الزائفةُ تُساويْ الحضورَ الزائفَ، حضورَ الأكاذيب، وتراكمَ الخَوَاء، حياةَ العُقْمِ والتبلُّد، فُقدانَ القيمة، ضياعَ الشخصيةِ، حبُوطَ العمل، مواتَ الوجود.. لهذا يحضرُ الإخلاصُ كشرطٍ أساسٍ للحياةِ الحقةِ والوجودِ الحقِّ.. يحضر الإخلاص بصورة مركزية في عقيدتنا بدونِ الإخلاصِ لا تقومُ حياةُ البشرِ ولا تستقيمْ.
هو قيمةٌ مؤسسةٌ للوجودِ الحيِّ الموَّار، جِماعُ كلِّ القيم.. أعلى درجةٍ يمكنُ الوصولُ إليها كي تنبعثَ الطاقةُ، ويثبتُ المعنى فيما نقولُ ونفعلُ.. لا معنى لشيءٍ بدونِ إخلاص.. لا معنى للعبادات، للعلاقاتِ، للصداقاتِ، للأُسَرِ، للفردِ والمجتمع.. لا معنى للعملِ والحركةِ والنشاطِ.. لا معنى لشيء ينتفي معنى الحياة والوجودِ بأسرِه.
هذا الصديق الذي يأتيك وهو ذاهب عنك وعنه، يأتيك بدونِه، وبكل شيءٍ عداه.. لا يأتي وحدَهُ وإنَّما في موكبٍ من هُمومٍ ومخاوفَ، وشياطينَ تحجُبُه عن نفسه وعن غيره.. تتخطَّفُ عقلَهُ الوساوسُ وتتوزّعُ روحَهُ الظنونُ.. تخلو إليهِ وهو غيرُ خالٍ، فيخْتَلُّ فيهِ معنى الخليلْ.
وتعجبُ لزيارةِ هذهِ الكثافةِ المتصنّعةِ، ولربما همَسْتَ لنفسك وقد أثقلَ عليك: يا هذا ما كان أغناكَ وأغنانا عن مجيئك أيها الذاهب، لمَ تحْضُرُ وأنت في الغائبين؟ لمَ كلُّ هذا النّصب والتَّعَب الضائع، وبلا طائل؟ لستَ الصَّديقَ المنتظر أنت لا تأتي خالصاً، ولا أراك مخلِصاً للعلاقة.. أنا لا أجِدُك ولا أشعر بصدقك وحُبك.. ثَمَّةَ ما يحولُ بيني وبينَك، ثمةَ ما يُبَاعِدُنا رغم ما تُبْدِيْهِ من اقتراب.. هذه صداقةٌ غيرُ خالصةٍ، فقيرةٌ إلى الإخلاصِ، فقيرة للروح الإنسانيةِ الخالصةِ. لهذا تبدو ميِّتَةً باردةً فارغةً بلا معنى.
الإخلاصُ مُنتهى الحُبِّ والشَّغَفْ.. مُنتهى الإقبالِ والحضورِ المُفْعَم.. القمَّةُ التي يجبُ أن يُخْلَصَ إليها من كل عمل.. أُفُقُ الاكتمالاتِ الممكنةِ.
اللحظةُ الأثيرةُ، والعملُ الأثير، حيثُ تكونُ أنتَ الإنسانَ الخالصَ. لهذا أرادكَ اللهُ مُخْلِصاً ومخْلّصا - بسكون الخاء- أراد تخليصَك منكَ، ومن شَرَكِ الأضداد. أرادكَ حُراً خالصاً له، أرادك حراً مُخلّصا لك وللآخرين. وهنا يتجلى الإخلاصُ كتعبيرٍ حُرٍ تتجوهَرُ الحريةُ في قلبِهِ، ولهذا يتشابكُ الحقلُ الدلالي لـ(خَلُصَ) مؤكداً ارتباطَ فِعلِ الخلاصِ بالإخْلاص.. إخلاصُك خلاصُك..
لحظةُ إخلاصِك هي اللحظةُ الحقيقيةُ الصادقةُ التي تَصِلُك بروحِك وبخالِقك، وبالوجودِ من حولِك.. إخلاصُك يحسِمُ خلاصَكَ، لأنك بهِ تعلنُ تحرُّرَك من الأغيار.. تعلنُ إنكارَكَ الأضداد.. تعلنُ حُضورَك الخاص، فَرْدَانيتك الخالصة، بَصمتك الواضحة، لونُك أنت.. تثبتُ روحَكَ ورائحتكْ، انسكابَكَ الكاملَ فيما أنتَ فيه، وفيما تقول وتفعل، وهَجُكَ المميزُ، خُلُوصُكَ بالكلية.. لهذا يحبُكَ اللهُ على هكذا حال، يريدُك حاضراً معه كما هو معك.. ما حاجتُهُ إليك ثقيلاً كثيفاً متنطعاً كَسِلَ الروح؟ ما حاجتُه لعملٍ لا يَجِدُكَ فيه ولا يراك! االله يريدك معه "بلا علاقة وبلا هم".
الإخلاصُ يمنحُ العملَ قيمتَهُ.. أنتَ تُشرِقُ في عملِك.. العملُ الخالصُ يعني مُطلقَ الحضورِ هذا موضوعٌ حميمٌ أَفتَحُهُ بين يديكَ، تاركا لك المَجَالَ للتحليقِ في أجوائهِ، واستدعاءِ الشواهدِ القرآنيةِ والنبويةِ الدالة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا مشروعية تتأسس على الخرافة والموت!
غزة الاستثناء المقلق
حين يكون الحضور عين الغياب