لم نعد نجرؤ على فعل شيء، حتى البكاء بحرية والحزن النبيل، تقصفنا المخاوف ويحاصرنا العجز، وتملي علينا المذلات ما نقول ونفعل، تحدد الكلمة، والنبرة والآهة، والدمعة، والمسموح به من الوجع والتفجع، وبحسب طبيعة العلاقة وموجباتها.
من المهم ابقاء الافكار والعواطف تحت السيطرة وادارتها بعناية وبما يضمن عدم افساد الارتباط، يرى الماغوط "الحرية فقدان الخوف" واراها كذلك القدرة على مطلق التعاطف والتضامن، حرية الضمير، والتعبير بلا قيد، وامتلاك الحق في رفض اي انتهاكات واعتداءات وممارسات لا إنسانية صراحة وبدون مواربة ولا غمغمة، وقلق من ازعاج هذا او احناق ذاك.
نحن فقدنا الحرية وكسبنا الخوف، والعار، كان الوطن يحضر الزبيري يقظة ملازمة، يلوح له مستفزا وناهيا اياه عن البسمة الشاردة والضحكة العابرة المنفلتة من قبضة الحزن.
اليوم من يلوح لنا كلما استدعينا الوطن بحق؟ من يحضرنا متجهما متوعدا كلما بكينا بلادنا بحرقة ونشدناها بصدق القول والفعل؟
من يلوح كلما ذكرنا غزة وفلسطين؟ من يقفز بين الدمعة والأنة مطالعا ايانا بارتياب؟ مزق نحن بين العوالم مكبلون بتعاقدات مقعدة تفرض الدفاع عن دافعيك الى الجحيم.
من يطالعنا شزرا كلما هممنا بالبكاء علينا فوق هذه المقبرة الممتدة من الهباء الى الهباء؟ ثمة صف من الكوابيس والرهابات، قائمة من المفزعات المتشابكة، تقف بيننا وبين الشرف والفضيلة.
مطوقون نحن حتى الأعماق، نتملق الخوف خوفا من مخيفات كثأر، نسكن في رعب دائم، قلقين من فقدان اشياء كثر، الحرية ليست من بينها.
وضمن المحيط المدمر مازالت غزة هي الاستثناء المقلق مالكة القرار والخيار في العيش وفق موجبات القضية ومقتضيات الصراع. مازالت غزة جدارنا الأخير. بنت العنفوان، فاضحة الزيف والجبن والخيانات الحاكمة.
ماذا عسى يفعل المدمرون مقصوفو الكرامة والكبرياء؟، ماذا غير الإيغال في قتل الذات وتدمير ما تبقى من ضمائرهم الخربة؟
*نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا مشروعية تتأسس على الخرافة والموت!
حين يكون الحضور عين الغياب
القراءة كالتنفس وأن تقرأ أقل (البرتو مانغويل، وهنري ميلر)