نحن جميعا في حالة دفاع عن وجودنا الخاص والعام الكل يدافع عن الكل، وإذ نضحي لا نطلب بالطبع مقابلا من أحد.
الفداء قدر الكبار المختارين.
كان في وسعك إيثار السلامة كان في مقدورك الهرب بعيدا والبحث عن دروب أكثر أمانا ودعة وبعدا عن المواجهة كان بإمكانك التملص والتنصل والقول: هذا جدار ليس لي، أنتم لا تستحقون التضحية، لستم جديرين بأن أقاتل عنكم. لكنك لم تفعل ولم تكن لتفعل.
هذا أنت الإنسان الحر الكريم والفارس النبيل الأبي الأشم. كان وقوفك في المواجهة حكمك الخاص، اختيارك الحر كان موقفك المناهض والمقاوم إرادتك ورغبتك كان الجرح جرحك والمك كان وطنك مصيرك وقضيتك الكبيرة والتي تحدد بقاءك وإنسانيتك وحاضرك ومستقبلك.
كانت التضحية مستحقة هي حياتك قيمتها اعلى وأغلى لديك من البقاء في أسر الهوان وكان لمعاناتك المعنى الذي ينسيك الوجع ويمنحك السلوان، هو ذلك العذاب العذب في سبيل ما نؤمن به وما نحبه.
لماذا يقرر، هؤلاء الفادون في لحظة تحمل العبء وحدهم؟ لماذا يختارون تجاوز محدوديتهم وذواتهم وعوالمهم الخاصة ليفتدوا الجميع؟ لماذا يؤثرون دفع أكبر الأثمان؟ ودون من ولا شعور بالندم او الخسارة.
لأنهم كانوا أكبر من ان تسكنهم هواجس الصغار وأعظم من أن يتملكهم وهن التعويل على غيرهم في طريق الخلاص. لقد أيقنوا منذ البدء انها قضيتهم وأنهم وحدهم المعنيون بها وأن على كل منهم أن يقوم بدوره ويؤدي واجبه حتى لو نكص وتخلف الناس كلهم.
يدهمنا أسى ثقيل وتنتابنا مشاعر مقبضة وبداخلنا غالبا يأس ذابح ويتملكنا الإحساس بالوهن والتعب والإحباط وتخنقنا العتمة ويحاصرنا الشعور بالفقدان.
نختبر جميعا مثل هذه الحالات كل يوم وساعة بل كل لحظة ربما، فنلوم ونعتب ونحتد ونصرخ ونتهم وندين وقد نجحف ونجور. ونشتط في الرؤية والحكم، لكن سرعان ما تنقشع الكآبات وتتبدد الأحزان ونعاود اليقظة والتعافي ونواصل الكفاح وتحمل العبء الكبير.
هذه الروح الواهبة الفادية المضحية المتجردة هي إلهامنا الكبير هي جوهر عظمة الشهداء الأحرار الكبار والأبطال الرواد صناع التواريخ الفارقة.
كانت تلكم التضحية مبعث السلوان ومصدر الزهو والفخر ولم يزل نشيدهم الملحمي على امتداد الدرب
كم تحملت في سبيل بلادي
وتعرضت للمنون مرارا
وانا اليوم في سبيل بلادي.
ابذل الروح طائعا مختارا.
هكذا "طائعا مختارا" قالها إبراهيم الحضراني على لسان الشهيد الفادي في بواكير الحركة الوطنية ضد الإمامة.
واليوم تستمر تلك الروح اليمنية الباسلة في افتداء اليمن. تستمر في كل هؤلاء الفرسان المُضحين الذائدين عن الوطن في كل الجبهات وفي كل ميادين الشرف والكرامة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا مشروعية تتأسس على الخرافة والموت!
غزة الاستثناء المقلق
حين يكون الحضور عين الغياب