مالا أجده قابلا للفهم هو هذه الشراسة التي يبديها إعلاميو المؤتمر تجاه الإصلاح، عندما يكتب ناشط ومثقف في مدينة تعز لهجة حادة ضد الإصلاح لحظة صدامات ترتب عليها صراخ نساء وحرائق سيكون هذا متفهما للغاية، أيا يكن ما يمثله الإصلاح من دولة ولو كانت في المنفى.
لدى هذا الناشط والمثقف دافعه الذي التقطه للتو ضدا للعنف وليس للإصلاح وإن تورط بعض الليبراليين في الانحياز لجماعة ابو العباس وكأنهم مجموعة من حماة البيئة أو متظاهرين يطالبون بجملة حقوق إنسانية.
لكن ضراوة المؤتمرين الذين في الخارج هي الباعثة على الغرابة، حتى أنها تبدو مفتقرة للمنطق البراغماتي السياسي، هل ينبغي على التنويه لجملة " لست إصلاحيا لكن"؟
لا فأنا معني بحزب سياسي لا زلت بحاجة إليه، ولبقائه تنظيما قادرا على الفعل وكتلة صلبة تبقت من زمن الديمقراطية والدولة، مثلما هي حاجتي تماما للتوقف عن النيل من الدكتور ياسين وهذا المزاج المستخف برموزنا التي كانت وينبغي لها أن تظل، على كل الذي وقعت فيه من أخطاء بدت كارثية في توقيت ما.
ما الذي يجعلك وأنت في زمن الشتات هذا تنتقل من توظيف إمكاناتك ضد الخراب لمحاولة تفتيتها والنيل منها؟ عوضا عن تكرار ذات النغمة بمزاج من التشفي والثأرية ولو ترتب على الأمر سقوط الدولة.
ما أكتبه غالبا يأخذ شكل مناجاة تعتمد العاطفة في جعل قارئ ناصري في بير باشا يبدو منسجما وكلماتي وقد فرغ للتو من لعن الإصلاح، ودون استجابة للريبية بشأن انتمائي التنظيمي، إذ تتمكن كلماتي من خلق حالة صحوبية وشكل من مكاشفة ودية وصادمة في آن.
لكنني لست في حالة استرخاء مؤخرا ولا أمتلك تلك الانفعالات الصافية تجاه الإصلاح لأكتب عن حاجتنا جميعا إليه محتملين وجع أخطائه.
وكنت لأقدم مرافعة إنسانية سياسية مقنعة، لكن هذا هو الحال، وهذه طبيعة المقاربات الذهنية في لحظة تشوش الذهن الجمعي، هذا التشوش الذي يحول بيننا وبين الحفاظ على المتاح، وإدراك أن الأحزاب وأولها الإصلاح ليست ملكا لقادتها ولا هي رهن أخطائها بقدر ماهي ملك للمجتمع، مجتمع تم تجريده من ممكنات وأدوات السياسة تباعا، واعتمدت الليبرالية السطحية أنصاف المقولات الحقوقية لتعطيل تلك الأدوات وفي حالة من الكيد السياسي والاستخفاف.
لا زلنا بحاجة الآن للإصلاح، كلنا كذلك، هكذا حدث وقد تفتت القوى وظل هو بذاكرة خمس انتخابات ومعركة دفاع عن العاصمة وخطيئة هروب إلى الرياض وعلينا استعادته منها، نحن الذين بحاجة لتسوية وطنية بحاجة للحزب السياسي الكبير وأنتم الباحثين عن قتال بحاجة إليه وفكرة الشرعية بحاجة لكيان صلب فالإصلاح عمودها الفقري، الحوثي هو الآخر سيحتاج يوما لقوة يمنية يخوض معها مواجهة أو تسوية بمعزل عن الخارج.
وحتى الجنوبيون سيحتاجون الإصلاح لحظة وصول خياراتهم لصدام حتمي مع الإمارات، أتدرون لماذا؟ ليس لكون الإصلاح آخر الوطنيين الشرفاء أو ما شابه، أو انه النخبة التقدمية مثلا، لا: السبب بسيط للغاية، إنه آخر الكتل الصلبة في هذا الشتات، الكتلة التي لا تزال قادرة وملتزمة بفكرة الدولة والاشتغال على منهج السياسة.
أما أخطاؤهم فلست هنا من يملك حق اعفائهم منها أو تحويلها لفضائل، لم أعتمد هذا النمط من التسويق يوما، اتشبث فقط بما في التناول، نحن غرقى والإصلاح لن ينقذنا لكنه الخشبة الهائلة المتبقية من سفينة السياسة، نحتاجها للطفو عليها مؤقتا إلى أن نجد معجزة تنتشلنا من هذا المحيط المظلم.
أو انه كذلك بالنسبة لخيارات ما هو خارج سيطرة الحوثي، ما كنا نظنها مناطق الدولة المحررة فاقتطعها المحتل ومشروع مناهضة الجمهورية اليمنية وتفتيتها بأدوات الجمهورية اليمنية.
أما نحن فنتمسك بصنعاء، عاصمتنا الأبدية نواة استعادة شخصيتنا الدولية، الصخرة التي ستتكسر عليها العواصف.
وليتمسك كل منا بما لا يزال في يده.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك "العنوان اجتهاد المحرر"
اقراء أيضاً
السنوار بطل الوعي الجمعي
نحتاج قُضاة شُجعان
نبدو غرباء أكثر