في شهر أغسطس المنصرم أشار المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان إلى ضرورة تشكيل لجنة لتقصي حقائق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن. صدر هذا الموقف إثر تقارير تتطرق لارتفاع الانتهاكات منذ فترة مارس 2015. يتزامن هذا التاريخ مع بدء تدخل عسكري قام به التحالف العربي في عملية أُسمِيَت عملية عاصفة الحزم.
ويرجع تاريخ سجِل عناية مجلس حقوق الإنسان بالانتهاكات وبوضع حقوق الإنسان في اليمن إلى أعوام سابقة، لكن اللفتة الأشد تعود إلى العام 2011 وهو عام قيام ثورة شبابية في اليمن أزاحت صالح من الحكم.
بين هذين العامين حدثت أشياء كثيرة وتجاذبات وتدهور لجهاز الحكومة ولحالة حقوق الإنسان، وبلغت الأمور إلى تدشين انقلاب على حكومة منتخبة كانت تحضّر لمرحلة انتقالية نحو يمن اتحادي.
وقع الانقلاب في سبتمبر 2014 وكان بطبعه عسكري ودموي وجرت فيه انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان متمثلة بقتل وتشريد وتدمير منازل وحملة اعتقالات وإخفاء قسري ومداهمة منازل.. لم تلتفت إليه التقارير الدولية كثيراً لأن العالم ـفي أحسن الأحوال اعتمد حسن النوايا من طرفناـ كان قد ثبّت نظره على العملية السياسية التي توخى منها الكثير، وتأمل كما أمل اليمنيون انتقال اليمن إلى اليمن الاتحادي ومعالجة المشاكل المزمنة. إلا أن انقلاباً قَلَبَ الطاولة على الجميع وأدخل البلاد في أُتون حرب لم يكن اليمن ولا الإقليم بحاجة إليها.
منذ إطلاق تنويه المفوض السامي لحقوق الإنسان لم يستحدث شيئا حتى الدورة الـ 33 للمجلس سوى مزيد من الجرائم وحصار المدن والقتل والقنص والزج بالأطفال كجنود مع زرع ألغام وحالة قصف طيران الكارثية.
تجدر الإشارة إلى أن مجلس حقوق الإنسان قائم على دول أعضاء والدول هي كيانات سياسية وبهذا فإن المجلس بطبعه سياسي إلا أن لجان فنية وخبراء ومقررين تتفرع منه.
في الدورة وهي في العادة تتم وفقا لجدول أعمال مكون من عشرة بنود يتم مناقشة القضايا أو الأوضاع وفقا لبندٍ ما تبدأ تصاعديا من الإدارية والتنظيمية -البند الأول- فتقرير المفوض السامي -البند الثاني- وحالة حقوق الإنسان التي تتطلب اهتمام المجلس في البند الرابع وحتى وضع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة في البند السابع وبند المساعدة الفنية والتقنية في البند العاشر.
في الدورة الـ 30 تم وضع حالة حقوق الانسان في البند العاشر، واعتماد اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، والتي تشكّلت بموجب قرار رئاسي رقم 13/2015 ومع الالتزام بتقديم الدعم الفني لها.
وبهذا بقيت حالة انتهاكات حقوق الإنسان تحت البند العاشر من جدول أعمال الدورة وفي الدور الـ 33 التي اختتمت أعمالها نهاية الشهر المنصرم، كان هناك جدل حول وضع ملف اليمن في أي بند وهناك دفع لأن يتم وضعه في البند الرابع، إلا أن اليمن والدول العربية دفعت باستمرار وضعه في البند العاشر سيما واللجنة الوطنية تعمل وتقدم تقريرها وتنجز نسبة من العمل بحسب ظروف عملها وقدرتها الفنية لأسباب سياسية وجيهة؛ منها موضعة الانقلاب في موقعه القانوني والمناسب كانقلاب ضد حكومة شرعية معنية بحماية المواطنين وكفالة حقوقهم.
كانت المفوضية ترى أن اللجنة غير قادرة، واللجنة تشدّد على أن المفوضية لم تقدم لها الدعم اللازم المنصوص عليه بقرار الدورة الـ 30.
وفي مسودة أولية لقرار خاص باليمن اشتغِل عليه في الدورة الـ 33، كانت الفقرة العاشرة منه تنص على إرسال بعثة لتقصي الحقائق، ولم يكن هناك فقرة تتحدث عن لجنة دولية على غرار لجان سوريا وأريتريا وبورندي.
التجاذب في وضع اليمن تحت أي بند يستند على وقائع فنية يتم دراستها وتفهمها، لكنه أيضا يستند إلى رغبة سياسية تأتي من طبيعة المجلس التي تحدثنا عنها أعلاه.
إذ لا يمكن فصل ملف حقوق الإنسان عن العمل السياسي إطلاقاً، ولأن السياسية هي إدارة وهيكلة الشأن العام لجماعة أو مجتمع، وهي في النهج الليبرالي جملة حقوق أساسية لا يمكن لسلطة ما انتهاكها.
قبل هذا علينا أن نفهم آليات مجلس حقوق الإنسان. فهذا المجلس المكون من دول ينظر إلى الدولة على أنها هي الوحدة السياسية الشرعية، وأنها ملزمة بحق وصون ورعاية حقوق المواطنين. وفي حال انتهاك حقوق إنسان؛ تتخذ الدولة الاجراءات اللازمة، وعند رفضها أو تقصيرها؛ يأتي التدخل من قبل المجلس كمتابعة أو تبني الملف كلياً.
اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن معنية بالتحقيقي في الانتهاكات منذ 2011، العام الذي ارتكب فيه نظام صالح جرائم بحق الشباب الثوار، وتعطيل عملها يعني تعطيل التحقيق في جرائم نظام صالح واستبدالها بلجنة دولية تنشأ بموجب تقارير حول ادعاءات انتهاكات منذ مارس 2015 هو تجاوز لتلك الفترة، والدفع بأن يقتصر التحقيق في مزاعم انتهاكات يسهل توصيفها فنياً؛ لأن نوع السلاح المستخدم وآثاره متميزة إذا كان من الانتهاك تم عن طريق طائرة، بينما تتداخل الاتهامات ويصعب الحصول على معلومة في حالة استخدام سلاح يتقاسمه مقاتلو جبهات الحرب.
كما أن الحرص على حقوق الإنسان يستدعي تفعيل لجنة دائمة يمكنها أن تجمع معلومات، وتحقق في جرائم في الماضي القريب والحاضر والمستقبل وليس لجنة مؤقتة.
واللائمة التي ألقت بها المفوضية على اللجنة الوطنية هو عدم قدرتها وليس عدم رغبتها في التحقيق. أي افتقارها لقدرات فنية كان ينبغي للمفوضية تزويدها به، وعدم قدرتها على الوصول إلى مناطق رفض الانقلابيون السماح لها بتنفيذ عملها.
ولهذا فان العجز في التحقيق يرجع إلى عدم تجاوب الانقلابين، لذلك فالأجدر الضغط عليهم دولياً وليس استبدال لجنة وطنية لها وجود ميداني وعلى نطاق واسع بلجنة أممية ستقضي وقتاً محدوداً في البلاد، ولن يسمح لها بالدخول إلى مناطق أخرى على غرار لجان تحقيق دولية في بلدان عديدة أريتريا وسوريا أنموذجاً.
ومع صدور قرار الدورة الـ 33 لمجلس حقوق الانسان والتي أبقت على ملف انتهاكات حقوق الانسان في اليمن ضمن البند العاشر، ونص القرار على تعزيز الجنة الوطنية بالدعم الفني، وتبقى الكرة في ملعب اللجنة الوطنية لإنجاز مهامها وفقا للمعايير الدولية، واستمرار تواصلها مع المفوضية والاستفادة من قدراتها وخبراتها حتى تحين الدورة ال 36، ورفع تقرير بالتحقيق في الانتهاكات منذ سبتمبر 2014 كما ورد في القرار.
وإذا كان هناك من نصيحة متواضعة تُقدّم إلى التحالف العربي فهو أنه عليه أن يسارع إلى الاعتراف بالعمليات والدفع إلى إجراء تحقيق من طرفه لأن تدخله العسكري مشروع من الناحية القانونية والتبعات لن تكون أكثر من جبر الضرر.
السبت الماضي حمل معه جريمة كبيرة تمثلت في اعتداء على قاعة عزاء في العاصمة التاريخية صنعاء راح ضحيتها ما يزبد على ??? قتيلا ومئات الجرحى. فهذا المصاب الجلل هو سنام الحرب الدائرة في اليمن.
تتعالى مجددا أصوات تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد الجناة. لكن جرائم أخرى تتبع الحادثة هنا وهناك، ويهدر الدم اليمني في مسلسل مستمر منذ أن بدأ الانقلاب، ويتم تبادل الاتهامات غافلين عن أن الانقلاب هو الاعتداء الأول على اليمن ومستقبل أبنائه.
وجه آخر للانتهاكات سيكون موضع كتابة لاحقاً، وسيكون الحديث عن الانتهاكات الاقتصادية التي تمارسها الجماعة الانقلابي.
*مدونات الجزيرة
اقراء أيضاً
لا يسود بالدعاية فقط
حان الوقت أن تستمعوا للشعب!
كارتيل الموت في صنعاء يدافع عن المبيدات