اعتمر المشّاط بالكوفية الفلسطينية وألاثها وقعطها وجلس فرداً على كرسي وثير يتحدث بصوت مرخوم مدافعاً عن تجارة المبيدات، قائلا بحذلقة المتعالم: ما عندي مشكلة أوزون ولا احترار مناخي.
لفَظَ جملته، بهسهسة الاصلات، مديناً الفوضى المغرضة من إثارة الموضوع في مملكته.
بالطبع لن يشعر المشاط بالتغيرات المناخية وليست موضوعه بالمرة، ولن يلتفت إلى التغيرات في موسم الأمطار وكميات المطر المتفاوتة والكوارث المصاحبة للسيول وعدد موجات الجفاف والأعاصير المتناوبة على اليمن وتراجع الغطاء النباتي وهجوم الجراد المتكرر.
هذه المؤشرات لا تعنيه هو وجماعته شيئا. مثلها مثل هذه الأرض التي لا تعنيهم إلا من باب السياسة واعتلاء سدة الحكم والتمسيد. بل أن انتشار الكوليرا في مستشفيات العاصمة صنعاء لا تعنيه إذا تتعمد سلطته عدم إصدار شهادة إصابة بالمرض وتتجاهل الإصابات والوفيات.
لكن لماذا، ليس فقط نكران خطورة استخدام المبيدات وتفشي الاتجار بها دون ضوابط في مملكة الحوثي الربانية، إنما الدفاع المستميت، من اعلى مستويات السلطة، عن هذه التجارة السامة؟
ليس جديدا التلاعب بتجارة المبيدات في اليمن. وهي تجارة خاصة بالمهربين قبل الحاصلين على تراخيص رسمية.
لكن الجديد هو أن السلطة الحالية في صنعاء هي سلطة قادمة من محافظة صعدة واذا لم نقل السلطة الحوثية فسنقول السلطة الصعداوية.
وهذه المحافظة الحدودية أدت دورا محددا في الاقتصاد اليمني لموقعها المرشِّح للسلع والأموال بين بلدين يمتازان بالتفاوت الصارخ في المداخيل وطبيعة الاقتصاد وتوزيع الثروة.
وصعدة بهذا هي خط حدودي للتهريب بدرجة رئيسية واقتصادها الفعلي، وليس الاسمي الزراعي، قائم على الاقتصاد غير الرسمي وغير المقيد والمختص بالتهريب والسلع المنوعة.
وأرباب المال هناك العاملين في التجارة كونوا- في أغلبهم حرصا على تحري الصدق وليس جميعهم- ثروة متراكمة من التهريب وبيع السلاح حتى برز منهم تجار سلاح على المستوى الاقليمي والدولي وردت اسمائهم في تقارير اللجان الدولية والأممية في قضايا تهريب سلاح لجماعات متطرقة وإشعال الحروب في القرن الأفريقي.
هذا أولا. أما ثانياً فإن الجماعة الحوثية هي جماعة متمردة في الأساس. والجماعات المتمردة، بالتعريف، تتبع ديناميكية واحدة تبدأ بتنفيذ عمليات غير قانونية تهدف من خلالها انتزاع أسلحة وأدوات قوة من السلطات العامة لذا تلجأ إلى الإغارة وممارسة التهريب والاشتغال على بيع الممنوعات بكل أنواعها.
وليس غريبا عن الجماعات المتطرفة والمتمردة أن تصنف طرفا فاعلا في تجارة المخدرات والممنوعات (العاب نارية، أدوية زائفة، تهريب عملات، منتجات مزيفة، تجارة بشر وتجارة تمس التنوع الحيوي كبيع الاشجار والحيوانات النادرة) والمحروقات في حال تفاوت أسعارها بين البلدان المتجاورة. حتى أن اشهر أعضاء القاعدة في الصحراء الكبرى التصق اسمه بسجائر مالبورو.
وبهذا فإن التهريب يشكّل عصب هذه الجماعة المتمردة وقد نشأت عليه وعرفت منافعه السهلة والسريعة خصوصا أن التهريب تجارة (غير قانونية) تدر أرباحا كبيرة تدفع الأفراد العاديين إلى تجاهل المخاطر الجمة. فما بالكم إذا كانت الجماعة تتغذى على دوافع سياسية وأيديولوجية.
لذا لن يكون بوسع الجماعة الحوثية الصعداوية التخلي عن التهريب الذي كان أساسا كبيرا وفاعلا في نشاطها ونموها وتغولها.
ثم أن الوضع في اليمن أصبح يشبه، إذا لم يكن يتجاوز، الحالة في بعض دول أمريكا اللاتينية حيث يصعب هناك مكافحة تجارة المخدرات أو الممنوعات نتيجة التداخل الكبير جدا بين المافيا والنظام الحاكم.
وفي اليمن غدت الصيغة في مناطق الحوثي هي ان الدولة هي المافيا والمافيا هي الدولة. ولا فكاك بينهما فما هو المتوقع من كارتيل مافيوي وصل إلى سدة الحكم واستولى على العاصمة وثلث البلاد.
(من صفحة الكاتب)
اقراء أيضاً
لا يسود بالدعاية فقط
حان الوقت أن تستمعوا للشعب!
حدود المغامرة الإيرانية