أدعو النخب اليمنية في المقام الأول والمهتمين والمتابعين للشأن اليمني من باحثين ومعلقين إلى إعادة النظر في فكرتهم حوّل العلاقة بين الجماهير وسلطة الحوثي.
ربما تفتقت نظرتهم الآن أكثر من أي وقت مضى بمناسبة قصف مخازن نفط في ميناء الحديدة ومضوا يؤكدون - اما خشية او تعميقا للعبثية في الوعي - أن ما يحدث يصب في مصلحة هذه السلطة وسيقود إلى مزيد من التجييش ومنح الحوثيين شرعية آخرى.
سبق وأن تفتقت قريحة هؤلاء في فترات سابقة بان عملوا على تصوير الحوثي على انه المدافع الأوحد عن السيادة الوطنية أمام الاعتداءات الخارجية او انه أكثر كفاءة إدارية او غرسوا مسلمة أنه لا فايدة من المعركة العسكرية مع الحوثي مفضلين او مروجين خيار آخر ما نزال ننتظر نتائجه.
أريد العودة إلى حيث بدأت. فالشعب وفق تصورهم هذا كتلة هائمة تستسلم كلياً للدعاية الحوثية. أو أن الحوثية لا تسيير إلا بالدعاية متجاهلين لآليات القمع والقهر وأدوات الضغط الاقتصادي والاجتماعي للتجييش والتجنيد. او ايضا استغلال المساعدات الإنسانية عبر العملية التعليمية لغرس ثقافة عنف وقتالية وتجيش الأطفال نحو محارق الجبهات.
ربما يقولون هذا بسبب نقص معلومات او انهم يعتمدون على معطيات ميدانية قادمة من منظمات حقوقية ووسائل إعلام هي ضمن الجهاز الدعائي الحوثي أصلا مهما بدت محايدة ومهنية.
وانا هنا لا أقلل من شأن دور هذه الدعاية المتفننة والممنهجة والتي يبدو واضحاً أنها تأخذ بأكثر تقنيات صناعة الوعي او تزييفه وفتكاً.
لكن هذا المتغير (الدعاية) لا يكفي بل لا ينبغي تجاهل ان لليمنيين متطلبات حياتية مادية ومعنوية هي رابطهم الأساس بأي سلطة قائمة.
سينتهي مفعول اي دعاية عندما لا تقود الناس إلا إلى الجوع والتشرد والمزيد من الأزمات الاقتصادية والافتقار للعدالة وسوء توزيع الثروة.
ليست هذه المعركة ودعايتها هي المحدد الرئيس والرابط الجوهري الذي يربط بين الناس في مناطق الحوثيين وسلطة هؤلاء.
بل أن أسوا الأفكار واقبحها تلك التي تقول ليس لدى اليمنيين ما يخسروه إزاء اي تصعيد خارجي وإعلان حرب او قصف للمصالح اليمنية التي اختطفها الحوثي وحركها لمعركته الخاصة الخارجة عن مصلحة اليمنيين.
ادعاء كهذا هو تشيئ للإنسان اليمني وانتزاع لإنسانيّته وحاجاته وتطلعاته. فاليمن ليست زريبة مغلقة ولا مخزن اثاث قديم. انها عشرات ملايين الناس وتعيش على نفس الكوكب ولديها سجل لا يمكن تجاهله في بناء مؤسسات وتراكم ثروة مادية وبنية تحتية ورأسمال لامادي، وحياة سياسية ومجتمع مدني.
باختصار، القائلون بمثل هذه الادعاءات يتهربون من اقتراح السبيل المناسب لمعالجة المشكلة اليمنية. هذا إذا لم يكونوا يتعمدون عدم فتح التفكير او إرشاد المعنيين إلى الطريقة المناسبة للخلاصة من هذا التهديد الأمني لحياة اليمنيين ومستقبلهم أولا.
لكنهم يفصحون عن عدم متابعة الشأن الداخلي ومقدار الغليان في مناطق الحوثي بسبب سوء تدبير شؤون الناس اقتصاديا والارتهان لأموال المنظمات الدولية وتعطيل الحياة الاقتصادية والإنتاجية.
لا توجد لديهم قراءة جادة لمؤشرات العنف الأسري والاجتماعي في هذه المناطق او في مناطق اليمن بشكل عام.
ربما مناطق الشرعية هي مناطق مفتوحة ومنكشفة ويسهل الحصول على المعلومة فيها لتراخي قبضتها الأمنية وبوجود هامش عمل كبير للمراكز البحثية والمنظمات وبحكم انفتاحها على الإعلام وعلى الشبكات الدبلوماسية.
لذا تبدو قبيحة وعصية على المعالجة ويسهل دمغها بالعاجزة والفاسدة لكن هذا لا يعني أبدا أن مناطق الحوثي منيعة اجتماعيا او أنها افضل حالا اقتصاديا. بل أن الحديث عن العجز والفساد في حال اليمن لا يمكن إلا بالمقارنة مع مختلف أشكال السلطات الموجودة على التراب اليمني.
أرفض تجريد المواطن اليمني من قدرته على إقامة حساباته النفعية الخاصة في حياته وتصوريه انقيادي، بلا عقل.
فليس القصف على مصالح يمنية هو ما سيساعد على تجييش اليمنيين لصالح الحوثي بل وبصورة اوسع استمرار الجرائم في غزة هي النافذة الأوسع لهذا التجييش.
سيغضب الناس عندما يرون منشآتهم تدمر بينما القيادات الحوثية ومعداتها العسكرية في اليمن لا يمسسها شيء.. عمل كهذا ينظر إليه على أنه حرب على اليمن واليمنيين وليس ضد سلطة عسكرية معينة.
لكن على صعيد الداخل يتمكن الحوثي من التفرغ للتعبئة لأنه لا يوضع موضع محاسبه ومواجهة مع الشعب.
نرى كيف يتم استغلالا الملف الإنساني لتخفيف اي عبء حقيقي اقتصادي او سياسي على الحوثي. ونرى كيف يحدث التلاعب يستقبل اليمنيين وحرمانهم بشتى الطرق من اقامة دولة تحمي مصالحهم وتكون الحامي الحقوقي لسيادتهم.
(من صفحة الكاتب)
اقراء أيضاً
حان الوقت أن تستمعوا للشعب!
كارتيل الموت في صنعاء يدافع عن المبيدات
حدود المغامرة الإيرانية