قال الخبير الامريكي ديفيد هاردن "إن اليمن يعج بحروب متداخلة ومتزامنة في ظل اعتقاد كافة الاطراف في اليمن بأن الافضلية العسكرية على الارض أمر ضروري وممكنة".
وفي مقال نشرة موقع «TheHill» الأمريكي لـ "هاردن" - الذي يعمل مديراً لمجموعة جورج تاون الاستراتيجية وأشرف مؤخراً على تقديم المساعدة الامريكية لليمن- وترجمة "يمن شباب نت" من الناحية الواقعية فإن الدور الوحيد الذي تقوم به إدارة ترامب على المدى القصير هو العمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة والسعوديين والإماراتيين لزيادة القدرة الشرائية اليمنية.
وأشار في مقاله بعنوان «اللعب في النار باليمن» أن هذا التنسيق سينعكس على مستوى الأسرة (عن طريق زيادة العرض وخفض تكاليف السلع الأساسية والوقود والأدوية) وكذا عن طريق تثبيت سعر العملة وزيادة دخل الأسرة، حيث قـدم أربع اقتراحات وصفها بأنها " ملموسة وقابلة للتنفيذ في الوقت الحالي وهي:
أولاً: يجب على البنك المركزي اليمني "تحويل النظام المالي الى الدولار بحيث يصبح الدولار الأمريكي والريال السعودي والريال اليمني جميعًا عملة قانونية وقابلة للتداول في اليمن. ويجب على البنك المركزي أن يتعاون بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي لإكمال تقييمه التشخيصي وأن يعاد البنك المركزي بالكامل إلى النظام المصرفي الدولي.
كما يجب على البنك إضفاء الطابع المؤسسي على استخدام المدفوعات الإلكترونية والشيكات عبر النظام المصرفي وتوسيع نطاقها بهدف الحد من الفساد، والسماح بالتدفقات المالية من خلال القنوات المصرفية المناسبة.
ثانياً: يمكن لحكومة هادي، بالتعاون مع المجتمع الدولي، أن تعجل منصة تسهيل التجارة الوليدة لتجار القطاع الخاص حيث يوفر هؤلاء التجار تقريباً جميع السلع الأساسية في اليمن في حين تشكل المساعدات الإنسانية أقل من 5 في المائة من إجمالي الواردات.
ولتحقيق تلك الغاية فإنه يمكن لحكومة هادي من خلال وزارة المالية والقطاع المصرفي التجاري أن تضع سندات ائتمانية لمجموعة واسعة وشاملة من التجار لاستيراد السلع الأساسية والأدوية عن طريق الاعتماد وبقوة على ما يفوق 2 مليار دولار تم إيداعها في الرياض في مارس الماضي.
ثالثًا: على اليمن وجيرانه فتح جميع المعابر البرية والجوية وكذلك جميع الموانئ بشكل شامل وفعال قدر الإمكان. ولا ينبغي السماح بحدوث أي أزمات معقدة في الغالب حول نقطة عبور رئيسية واحدة كما هو الحال بالنسبة لميناء الحديدة. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي إزالة جميع الضرائب والعقبات الجمركية والمالية التي تحول دون دخول الواردات الأساسية من السلع الأساسية.
رابعاً: يجب على الأمم المتحدة من خلال دعم المانحين، دفع الرواتب للمدرسين والعاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء اليمن - على أن تتم إدارة ذلك من خلال وزارة المالية والبنك المركزي اليمني وسط الرقابة والمحاسبة الصارمة.
للمزيد إقرأ أيضاً: مقال للكاتب اليمني ياسر المقطري عن عوامل دفعت أسعار الصرف إلى الهبوط
ولفت الكاتب الأمريكي "أن جريمة قتل جمال خاشقجي، دفعت بحرب اليمن المنسية إلى واجهة التداول الإعلامي ومناظرات سياسة الكونجرس منتقداً ما يعتقده من وصفهم بـ "محللون حديثو العهد بالشأن اليمني" من أن فك الارتباط العسكري الأمريكي سيدفع السعوديين وميليشيا الحوثي نحو السلام وسيخفف من معاناة ملايين اليمنيين حيث أنهم مخطئون في ذلك - في رأي الكاتب.
ورجح "أن تطول حرب اليمن لسنوات يصاحبها خسائر بشرية هائلة بغض النظر عن العمل العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة العربية. إذ يحتاج أكثر من 22 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية بما في ذلك ما يقرب من 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي".
كما واجهت اليمن في العام الماضي، أكبر تفشٍ لوباء للكوليرا في العالم على مدى التاريخ حيث يعاني، مليون شخص من تفشي المرض بسبب تدهور أنظمة إدارة مياه الصرف الصحي نتيجة للحرب وخاصة في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، بحسب هاردن.
وعزى الكاتب المعاناة في اليمن الى عوامل لا تتعلق بحدوث "مجاعة مضنية"، فالأغذية والوقود والسلع الأساسية موجودة في الأسواق، ولكن أسعارها الباهظة تجعلها بعيدة عن متناول جميع السكان تقريباً. فعندما انهار البنك المركزي اليمني منذ عامين تقريبًا، انخفض الريال اليمني بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للأسر اليمنية وخلق فضاء أكبر لربح أمراء الحرب.
ويرى الكاتب أن "اليمن يغرق في حروب متعددة متزامنة ومتداخلة. أولاً، ينتمي الحوثيون وهم حركة دينية وسياسية مسلّحة للطائفة الزيدية تسيطر على حوالي 20% من الأراضي و70%من السكان وهم في حالة حرب أهلية مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي غالبًا ما تكون غائبة. في المقابل يخوض التحالف الذي تقوده السعودية (القوات السعودية والإماراتية بالدرجة الأولى، بدعم رمزي من الدول السنية الأخرى وبسلاح أمريكي ودعم لوجستي محدود)، معركة بالوكالة مع إيران التي تزود الحوثيين بالسلاح والنقود والاستخبارات الاستراتيجية".
وليس مستغرباً- بالنسبة للخبير هاردن- أن حرب اليمن لا تقتصر على اليمن فحسب، فلقد استهدفت ميليشيات الحوثي بعض المناطق الحدودية والتلال على الجانب السعودي من اليمن وأطلقت بانتظام الصواريخ الباليستية وقذائف الهاون والمدفعية على الأراضي السعودية. أما في جنوب اليمن فتسعى القوى الانفصالية اليمنية إلى إقامة دولة جنوبية شبه الجزيرة العربية، وتحارب حكومة هادي وأي قوى تقف في طريقها نحو الاستقلال".
وتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بالشراكة مع الولايات المتحدة، بمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب اليمن وفتح الطريق أمام النقل التجاري، وذلك بهدف استراتيجي يتمثل في كونه قوة تجارية إقليمية. في مقابل ذلك، ينظر تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية للمناطق الجنوبية والشرقية والوسطى من اليمن كملاذ آمن.
وقال الكاتب الأمريكي هاردن "إن هذه الحروب المتعددة تتلاقى على طول ساحل البحر الأحمر في ميناء مدينة الحديدة مما يعرض مستقبل اليمن وشعبه للخطر" وأضاف "الشعار الذي سمعناه من الأمم المتحدة والدبلوماسيين الغربيين والباحثين في مجال السياسة الخارجية هو بأنه لا يوجد حل عسكري وبأن الطريق الوحيد للمضي قدماً هو عملية سلام ينجم عنها توافقاً سياسياً بين الفصائل المتحاربة" واستدرك بالقول "غير أنه ولسوء الحظ، لايزال المتقاتلون على خلافهم".
وتابع "جميع أطراف الصراع في اليمن أن الافضلية العسكرية على الأرض ضرورية وممكنة - وبالتأكيد قبل جولة أخرى من محادثات السلام في حين أن ما لا يقدره كثير من النقاد الغربيين بشكل تام هو أن جميع المقاتلين يعتبرون الحرب المستمرة معركة وجودية، فالهزيمة أو التسوية السياسية ليست نتائج مفضلة بالنسبة لهم".
وذكر الكاتب أنه "في ظل غياب حل عسكري فوري وغياب أيما آفاق مستقبلية لعملية سلام فعالة، وفي ظل معركة مستمرة من أجل الميناء وتداعيات انسانية باهظة لا تحمل أي مؤشرات على التحسن، فإن الولايات المتحدة لديها قدرة محدودة على تخفيف معاناة الشعب اليمني".
وأشاد بالمنحة المالية التي قدمها مؤخراً السعوديون والإماراتيون من خلال اليونيسف بمبلغ 70 مليون دولار، كونها مثلت خطوة في الاتجاه الصحيح، ولفت أن "المعلمين اليمنيين ومقدمي الرعاية الصحية وعمال النظافة بحاجة إلى الاعتماد على أن يتم دفع الرواتب كل شهر بحيث سيتعين على حكومة هادي أن تخصص جانباً عائدات النفط لهذه المدفوعات - ويجب على جميع الأطراف الداعمة للحكومة أن تستخدم نفوذها حتى يتم دفع اجور المؤسسات العاملة في جميع أنحاء البلاد بانتظام".
واختتم الكاتب بالتأكيد على أن "كبح الأزمات الإنسانية في اليمن ضرورة أمنية وسياسية واقتصادية وأخلاقية. ومع ذلك، فإن النفوذ الأمريكي لإنهاء حروب اليمن من خلال تسوية سياسية متفاوض عليها لازال محدوداً".
ويتمثل النهج الأكثر فاعلية في تحسين القوة الشرائية للأسر المعيشية - لكن القيام بذلك يتطلب زيادة المعروض من السلع الأساسية في السوق وانخفاض أسعار السلع الأساسية واستقرار العملة وتحسين دخل الأسرة. وليس من المستحيل تحقيق هذا النهج الاستراتيجي الاقتصادي حتى في خضم الحرب المستمرة حيث يمكن لهذه الخطوات أن تساعد الشعب اليمني على الانخراط مجدداً في اقتصاده وفي نهاية المطاف من شأنها أن تخلق بيئة يكون من المرجح أن ينجح فيها التوافق السياسي، على حد قول هاردن.
عمل ديفيد هاردن، المدير الإداري لمجموعة جورجتاون الإستراتيجية والرئيس التنفيذي لشركة Soutkel Inc، كمساعد إداري في مكتب الديمقراطية من أجل الديمقراطية والمساعدة الإنسانية والإنمائية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأشرف في الآونة الأخيرة على تقديم المساعدة الأمريكية لليمن قبل تقاعده في أبريل 2018.
أخبار ذات صلة
الثلاثاء, 13 نوفمبر, 2018
واشنطن بوست تكتب تحليلاً وتتساءل: هل هذه نقطة التحول في حرب اليمن؟ (ترجمة خاصة)
السبت, 10 نوفمبر, 2018
تقرير (أنفو جرافك) لمركز دولي متخصص بالنزاع المسلح: ضحايا الحرب اليمنية أكثر من 57 ألف (ترجمة خاصة)
الخميس, 27 سبتمبر, 2018
موقع بريطاني: إنهاء سيطرة الحوثيين على الحديدة ربما تؤدي إلى السلام في اليمن (ترجمة خاصة)