عندما يعجز الأعداء عن دخول المدن والبلدات، فإنهم لا يعدمون حيلة في إيجاد بدائل أخرى لإسقاط هذه المناطق من داخلها، وتلك حيل تكررت كثيرا، بأساليب متعددة، تتجاوزه في تفاصيلها الزمان والمكان.
في اليمن، نجد أن مثل هذا السيناريو يُطبّق في كثير من المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية، لكن الغريب في أن من يتولى التنفيذ جهات تزعم دعمها للحكومة الشرعية، وأطراف داخل أروقة الشرعية نفسها، بينما ينتظر الحوثيون وحلفاؤهم جريان الرياح بما تشتهي سفينتهم المتهالكة، السفينة التي لم تتسع لملايين اليمنيين، واتسعت لعصابة صغيرة، تهتف بالموت، ولا تمل من الهتاف.
التفخيخ من الداخل، وإفراغ المشروع الوطني من محتواه، يجري على قدم وساق، الإمارات تقف بأدواتها المحلية عقبة كأداء أمام المشروع الوطني، وتسعى لفرض مشروعها الخاص، تحت عناوين برّاقة تستند على أساس إيديولوجي ضيّق، بين ما تراه أبو ظبي إسلاماً عصريا، وآخر متطرفاً يجب القضاء عليه.
شخصيات داخل أروقة الشرعية تمارس مثل هذا الأمر، تحت عناوين عريضة، كالتسامح والوحدة ضد الانقلاب، والنتيجة بالطبع تكون في مجملها إهانة كبيرة للتضحيات التي قدمها اليمنيون منذ سبع سنوات، بدءا بثورة الشباب في 2011، ضد نظام صالح، وحركة المقاومة ضد الانقلاب الحوثي، المستمرة حتى يومنا هذا.
في مدينة تعز، تبرز معضلة التفخيخ من الداخل، كمعضلة متفاقمة، يمارسها الحوثيون وأطراف أخرى في المدينة المحاصرة منذ ثلاث سنوات، كان لابد للجوء لهذا الخيار، بعد أن عجز الانقلابيون عن اقتحامها وتركيعها، وعجزت أطراف في التحالف العربي عن فرض وصايتها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه المدينة، وفي كلتا الحالتين يلتقي التفخيخ عند زواج مصلحة، يبدو أنه سيكون طويلا، بما لم تجر عليه العادة.
تعاني مدينة تعز منذ ما يقارب من ثلاث سنوات من حرب وحصار مستمرين، فرضتهما ميليشيا الحوثي وقوات المقتول صالح، إضافة للحسابات الخاصة للتحالف العربي، وبطبيعة الحال، فإن الانفلات الأمني وحوادث القتل والاغتيالات والمعارك المصطنعة داخل المدينة لا يمكن فصلها عن هذا السياق.
مؤخراً، شهدت المدينة تطورا بارزا في الهجمات التي تستهدف أمن المدينة، من حيث طريقة التنفيذ، والأهداف المنتقاة، فمن حيث طريقة التنفيذ، جرى استخدام العبوات الناسفة في هذه العمليات كسلاح جديد يدخل مسرح الانفلات الأمني المتزايد، ومن حيث الأهداف المنتقاة، نجد أن اختيارها تم بتركيز شديد، ليشمل قيادات عسكرية من الصفوف الأولى في المدينة، وشخصيات مدنية لها وزنها في الشارع التعزي، ومن المهم التركيز على فحوى الرسالة التي تريد الجهات التي تقف خلف هذا العبث، إيصالها للداخل والخارج عن وضع مدينة تعز، إضافة للأهداف المرجو تحقيقها من خلال هذا التفخيخ.
داخلياً، تحاول جهات ما، إحداث فجوة كبيرة في الشارع التعزي، بين الحاضنة الشعبية والجيش الوطني، من خلال إشعال معارك مصطنعة داخل أحياء المدينة المكتظة بالسكان، وإثارة الفوضى والرعب بين أوساط المدنيين، ومن ثم إظهار المؤسسة العسكرية والأمنية كسلطة عاجزة عن بسط سيطرتها، بما يؤدي إلى هز ثقة المواطن بالمؤسسة العسكرية، والجيش الوطني.
كما تسعى هذه الجهات، إلى إشعال اقتتال داخلي بين مكونات الجيش الوطني، عن طريق استثمار بعض الخلافات التي تطفو بين حين وآخر، واستخدام الاغتيالات كورقة مهمة في إذكاء الخلافات وتبادل الاتهامات، بما يؤدي إلى مواجهات عسكرية داخل المدينة، وتكون المحصلة مع مرور الوقت، بأن تصبح المدينة مفخخة من الداخل، وقابلة للانفجار كقنبلة موقوتة، وفي كل الأحوال يتوجب على السلطة المحلية والقيادات العسكرية والأمنية، تحمل مسؤوليتها، والضرب بيد من حديد لكل من يتورط في هذا العبث، بدلا من التفرج والانتظار.
ما يحدث داخل تعز يرتبط أيضا بدرجة رئيسية بأجندات خارجية، تحاول إظهار المدينة كبؤرة للإرهاب، ومنطقة صراع وتناحر بين أبناء المدينة، ومن ثم إظهار المؤسسة العسكرية والأمنية، كميليشيا مسلحة غير قادرة على فرض سيطرتها على المدينة، والتسويق لاستبدالها بقوات جديدة، تتولى تأمين المدينة كهدف معلن، يجري في إطاره تنفيذ أجندات خارجية، شبيهة بتلك التي تُنفّذ في المناطق المحررة كعدن وشبوة وحضرموت.
التفخيخ من الداخل، مشكلة كبيرة يعاني من الكيان السياسي للشرعية، والمناطق المحررة، ومالم يكن هناك حملة مضادة تفضي للقضاء على هذا السرطان، فإن نتائجه ستكون وخيمة على الجميع، الجميع الذي سيخسر لينتصر البعض.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية