في حين أصبحت الهجرة خيارا ليمنيين يرغبون في تحسين أوضاعهم المعيشية وبحثا عن ملاذ آمن بعيدا عن التراب الوطني، يجد يمنيون آخرون أنفسهم في هجرة قسرية معاكسة، تدفعهم إلى التراب الوطني، الذي سيصلون إليه وهو أسوأ مما كان عليه عندما غادروه.
تشن السلطات السعودية منذ أيام، حملة طرد للعمالة اليمنية في أراضيها، لتطال عاملين بالمجالات الأكاديمية والصحية، مثيرة بذلك سخط اليمنيين في الداخل، فاتحة الباب لغربة جديدة، هذه المرة إلى الوطن الأم.
وهذه الحملة، تعيد طرح أسئلة مهمة تتعلق بأزمة الدولة القطرية أو الوطنية التي تمارس العنصرية بحق الآخرين، لمجرد الانتماء الجغرافي، فضلا عن أسئلة كثيرة حول المسؤولية الأخلاقية لدولة تعد طرفا رئيسا في حرب تخاض على أراضي من طردتهم من سلكها الوظيفي، دونما اعتبار لما ينتظرهم وأسرهم حال عودتهم إلى بلادهم.
من وجهة نظر الدولة الوطنية أو القطرية التي ترتكز على رابط التراب لا ربط العقيدة، تبدو هذه القرارات الجائرة، إنجازا بالنسبة للمجتمع السعودي الذي سيسد أبنائه الفراغ الذي ستتركه العمالة اليمنية، كما أنه سيوفر فرصة عمل لمواطنين سعوديين، وفي مقابل هذه الرؤية الحالمة سعوديا، تظهر الرؤية اليمنية الرافضة لما جرى باعتباره تنكرا للجهود اليمنية، وتخليا عن الجار في أصعب اللحظات التي تمر بها البلاد، وبين هاتين الرؤيتين، تكون عورة الدولة الوطنية قد كشفت على الملأ، بما يؤكد أن رابطة التراب لا يمكن أن تكون بديلا عن رابطة العقيدة التي تملك مساحة رحبة لتشمل بعطفها المسلمين وغيرهم ممن تقطعت بهم سبل العيش.
قرارات التهجير السعودية لليمنيين، تشكل جرما أخلاقيا، لدولة فضلا عن كونها طرفا في الحرب، فإنها تتبوأ مكانة دينية بين المسلمين، يفترض بها أن تسعى للحفاظ عليها ولو من باب النفاق والمصلحة الوطنية، لكنها-أي السعودية- لم تعد معنية كما يبدو بأي التزام أخلاقي أو ديني تجاه العمالة اليمنية، الذين تقوم بترحيلهم قسريا بين فترة وأخرى.
ما هو العبء الذي يشكله وجود عمالة يمنية ماهرة في التراب السعودي حتى يتم التخلي عنها في هذا الظرف الحساس؟ أليس من العار أن دولا مثل تركيا والأردن ولبنان استقبلت ملايين اللاجئين السوريين ولم تكن أنظمة هذه الدول طرفا مباشرا في الحرب السورية، في حين أن المملكة التي تعد طرفا مباشرا في الحرب اليمنية تجبر اليد العاملة اليمنية على مغادرة أراضيها وهي تعلم مدى الضرر الذي سيلحق بالداخل اليمني جرّاء هذه الخطوة؟ إن لم تكن هذه الخطوة حربا، فما الحرب إذن؟
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
محارب الخطوط ما بعد الخلفية