كثيرة هي السلبيات التي أفرزها واقع الحرب في اليمن، بعضها قابل للتلافي والمراجعة، وبعضها لا يمكن تلافيها، على أن أسوأها هو أن تتحول الجريمة إلى عادة تفرض حضورها في حياة المجتمع.
عندما تغيب الدولة ومؤسساتها، تحل العصابات بديلا عنها، ومعها ينتقل المجتمع من سلطة الدولة إلى سلطة العصابات المنتحلة لصفة الدولة، وهي نقلة مأساوية تهوي بالمجتمع في جحيم من الجرائم التي تطال الأرواح والممتلكات.
لا تُعرف الدولة إلا بالعدل الذي يستظل تحته جميع الأفراد، أما سلطة العصابات فلا مظلة تجمع الناس، إلا مظلة الظلم، التي بها يختل ميزان العدالة، ويصبح أداة يزن به الجلاد جرائم مفترضة لأبرياء، ليبرر جرائمه الحقيقية بحقهم.
اعتاد الناس على سماع أخبار الجريمة، فهان وقعها على إحساسهم من كثر ما تكررت الجرائم، وأصبحت الجريمة تتصدر أحاديث الناس يوميا، مثلها مثل أخبار الزواج والمواليد والوفيات وأسعار البيع والشراء، على أن أخبار الجريمة تحز عميقا في أغوار النفس، وتكشف حالة العجز التي أصبح المجتمع رهين لها، فلم يعد رد الفعل إلا تضامنا في مواقع التواصل، ومناحات تظهر جلية بين السطور.
لم يكن لأحد أن يتوقع أن يصل المجتمع إلى حالة يفضل فيها لا شعوريا جريمة على أخرى، فإذا ما تعرض أحدهم لجريمة السرقة فهو محظوظ لأن السارق لم يرتكب بحقه جريمة القتل مثلما حدث مع فلان من العامة، وإذا ما تعرض أحدهم لجريمة القتل بدم بارد، فقد يكون محظوظا لأنه لم يتعرض لجريمة الاعتقال وما يتلوها من جرائم التعذيب والإخفاء القسري وامتهان الكرامة الإنسانية.
الاعتياد على الجريمة، داء عضال، والجريمة لم تعد عارا يستوجب العدالة في ظل حكم اللادولة، وبقدر ما دفنت العدالة ونحيت جانبا، أصبحت الجريمة محمية بقوة السلاح، وأصبح للمجرم مظلة من الرؤوس الكبيرة، تحميه من الوقوع في قبضة العدالة، وتبذل الغالي والنفيس، وتسلك الطرق المشروعة وغير المشروعة، لتعيق مسار العدالة.
ما أحوج المجتمع في ظل تغييب سلطات الدولة اليمنية إلى غرس الدين وتعاليم الشريعة في النفوس، لمحاربة الجريمة التي تنشر أشرعتها في أكثر من منطقة، ولتحصين النشء من الانحراف مستقبلاً خاصة مع انحسار المساحة التي كان الدين يحتلها في حياة المجتمع، لصالح مسالك جديدة، يغلب عليها الانشغال بأمور دنيوية والبحث عن الترفيه هربا من الواقع البائس!.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
موسم الهجرة القسرية
محارب الخطوط ما بعد الخلفية