من الواضح أن سنوات الحرب انتجت عددا كبيرا من السياسيين والمسؤولين الحكوميين الذين لديهم قدرات عالية في "الابتذال" وهو المؤهل الوحيد الذي استطاعوا من خلاله تقديم فرض أنفسهم ليكونوا في تلك المناصب الرفيعة، من قبل الأطراف التي لها وصاية مباشرة على تلك الزعامات والقيادات الجديدة والتي قدمت نموذج رديء جداً.
صنعت الحرب زعامات سياسية فارغة من أي مضمون سياسي يُمكن تقديم حلول أو أفكار تصل بالبلاد نحو الاستقرار، او حتى تطمين على مستقبل جيد يمكن أن يثق بهم الناس في أن هناك أبطال وطنيين، نستطيع من خلال أفكارهم أن نبني دولة بعد هذا الدمار الكبير الذي حل في البلاد.
تحولت التعيينات الحكومية الرفيعة إلى مصدر للرزق فقط، ولهذا يتحول المسؤولين إلى مطبلين بمستوى رفيع إلى كل أولئك الذين كانوا سبباً في حصولهم على تلك الامتيازات، وهو ما يجعل من الابتذال عمل جماعي للكثير من المسؤولين بدون أدنى شعور بالمسؤولية التي على عاتقهم في تمثيل الشعب المسحوق الذي ينتظر منهم إنهاء معاناته التي تتفاقم يومياً.
والأسوأ من غياب المسؤولية لدى أولئك المسؤولين هو ذلك الابتذال المعلن من قبل المسؤولين مثل ما كتب وزير الاعلام الإرياني في مديح بن سلمان في أسلوب مثير للغثيان يجعل من اليمنيين يفقدون الأمل في أن أحداً من الذين تصدروا المشهد السياسي خلال الحرب يمكن أن يمثلهم بتلك الطريقة البائسة، والتي تظهر شعب بأكمله تابع وليس نداً وشريك في التضحية.
في المحافظات الجنوبية ظهر العديد من القيادات الذين يقدمون أنفسهم زعماء جدد ويلتف حولهم جماهير شعبوية كثيرة تبحث عن أبطال في قضيتهم المعلنة في الانفصال، غير أن أولئك الزعماء والأبطال الافتراضيين صنعوا على عجل في أدوات خارجية هي من قدمتهم كمخلصين، لكن تلك الآمال تتراجع يوميا بسبب خيبة الأمل والإحباط التي أصاب الناس.
خلال المرحلة السريعة من صناعة تلك القيادات الجنوبية ظهرت سريعاً تلك التناقضات في المواقف والعدمية السياسية في التعامل مع مختلف الأحداث، حتى أن الإنسان العادي استطاع ان يعرف أنهم بلا إرادة من خلال التماهي مع المشروع الخارجي الذي يدعمهم حيث أظهروا التماهي معه كلياً دون مراعاة للخصوصية، ذلك شكل استفزاز للناس بشكل عام وتلك الجماهير التي ربطت عليهم الآمال بشكل خاص.
يقدم غالبية القيادات الجنوبية وبالتحديد أولئك الذين يقودون ما سمي بالمجلس الانتقالي نموذج لعديمي الخبرة السياسية حيث يتحركون في عملية غوغائية في صناعة الوهم لأنفسهم وممارسة الانتهازية في تحقيق مكاسب هي في الأخير مرهونة باستخدامهم للسياسية بعيداً عن العصبويات الصغيرة التي لا تستمر طويلاً وتحصُر مشروع أصحابها في دوائر ضيقة، ستنتهي بهم إلى الفشل.
التبعة العمياء هي النموذج الأبرز لدى كل السياسيين الذين يتصدرون المشهد من طرف الحكومة وأيضاً تلك القيادات الجنوبية المدعومة إمارتياً، استطاعوا خلال سنوات الحرب تقديم صورة مشوهه عن الشعب اليمني باعتبار أنهم ممثلين عنه، غير أن الكثير من اليمنيين يدركون أن كل هؤلاء طارئون على السياسية وبإمكان انتهاء الحرب والاستقرار في البلاد أن يجعلهم بعيداً عن أي تأثير كونهم غير قادرين على فعل شيء.
وتعد تغريدات الوزير الإرياني وهاني بن بريك في الكتابة عن بن سلمان اختزال وتكثيف للعلاقة التي تجمع أولئك المسؤولين وغيرهم مع دول التحالف العربي، حيث يثبتون ابتذالهم بشكل معلن أنهم أتباع فقط وليسوا شركاء، إنما متزلفين لأولئك الذين صنعوهم ووفروا لهم مستحقات شهرية كبيرة، لا أحد ينتظر من قيادات بهذا الضعف والفراغ أي أمل مستقبلاً.
*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم