في الجزائر والسودان تحركت الجيوش لحماية الدولة، وللوقوف مع الشعب ضد الأنظمة السياسية التي تطالب الجماهير بإنهاء فشلها خلال سنوات حكمها الطويلة، لا يمكن فهم تحركها إلا في هذا السياق، ومقارنة بما حدث في اليمن وليبيا خلال السنوات الماضية لا يمكن تخيُل أسوا من سيناريو تفكك وسقوط الدولة.
رغم سوء الأنظمة العربية وبؤسها وفسادها، لكنها لن تكون أسوأ من نظام صالح الذي عمل خلال أكثر من ثلاثة عقود على بناء جيش وهمي بولاءات خاصة وضيقة تتبعه أو تتبع أبناءه ومقربين من عائلته، ومع ثورة فبراير تكشفت أكثر من خلال عمليات القمع التي نفذها، ووقوفه إلى جوار النظام الفاشل حتى تلاشى معه.
كان الرئيس السابق على عبد الله صالح يهدد اليمنيين بالتفكك والانقسام، ويبدو ان ذلك ما حدث في الواقع، حيث تحول هو وكل الجيش الذي كان يبنيه إلى طرف من أطراف الصراع في البلاد، وعقب تسليمه السلطة، بناء على تسوية سياسية تمثلت في "المبادرة الخليجية" تكشفت عورة بناء المؤسسات الهش خلال سنوات حكمة، من خلال ولائها المطلق لتوجيهاته والقادة الذين يتبعونه.
في الحقيقة صالح لم يبني جيش وطني يحمي الدولة اليمنية ويكون ولاءه المطلق لها فقط، بل عمل على بناء مراكز نفوذ تتبعه شخصياً، وحول هذه المؤسسة لكسب ولاءات القبائل والشخصيات النافذة في المحافظات المختلفة، وصنع من غالبيتهم أتباع وليس قادة وطنيين.
عندما وقف القوات المسلحة على الحياد أثناء الحروب في 2014، بدءاً من دماج وانتهاء بالسيطرة على صنعاء، كانت تلك الصورة الأوضح لجيش صالح الذي بناه لتصفيه خصومة والانتقام منهم، اين الجيش المفترض الذي بناه صالح خلال ثلاثة عقود أثناء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وأي قرار سياسي ساذج يمكن يوقف الجيش عن مهمته في حماية الدولة.
اثناء اقتحام الحوثيون لصنعاء، كانت قوات صالح تساندهم وتقف معهم، وقبل ذلك كان رجل صالح ووزير دفاعه على ناصر احمد يعقد صفقات مع الحوثيين ويجتمع معهم، ضد قوات تتبع الجيش والدولة في محافظة عمران، والأن يتبرأ أنصار صالح من هذا ويعتبرون أن هيكلة الجيش وراء انهياره اثناء سقوط الدولة، في مغالطة تأريخية واستخفاف بعقول اليمنيين.
لا أحد ينكر ان الرئيس هادي كان فاشل وضعيف، وارتكب سلسلة أخطاء وكوارث ادت إلى سقوط الدولة، لكن في نفس الوقت يتساءل المواطن اين الجيش اليمني من استعادة زمام الأمور والتدخل لإيقاف المهازل السياسية والتقديرات الخاطئة للرئيس، كيف يسمح جيش ان يسيطر مسلحون على العاصمة وهو يقف على الحياد؟ التزاماً بتوجيهات الرئيس أو غيرة.
تلك الأسئلة حيرت اليمنيين وهم يضعونها، عقب سقوط دولتهم والسيطرة عليها من قبل ميلشيات مسلحة. والحقيقة أننا كنا بلا جيش وان صالح بنى لنا "وهم" خلال ثلاثة عقود وظل يكذب ويتفاخر بكذبه، وإلا كيف نفهم أن جيش يقف متفرج وعاصمته تسقط، وكيف يسمح جيش للرئيس او غيرة ان يعطلوا دوره في حماية الدولة؟
كان بمقدور الجيش - إذا كان موجود فعلا - ان يمارس دوره في إيقاف أي عابث بمصير الدولة والتطبيع مع الميلشيات ويعاقبه بالقانون والدستور اليمني، حتى يستطيع عزلة من الرئاسة وتولي السلطة للحفاظ على الدولة من التفكك والانهيار، لكن الحقيقة المُرة أننا كنا بلا جيش وطني، كان هناك مجاميع عسكرية تتبع نافذين متناقضين بالأهداف والتوجهات، وكلا منهم ينفذ توجيهات مختلفة عن الآخر.
ما حدث في السودان والجزائر يعيدنا الى الحديث عن الجيش ودورة في حماية الدول من الانهيار، وهذه هي المهمة الأساسية لكل الجيوش في العالم، لذا لا يمكن أن نتصور أسوأ من سقوط الدول فهي الكارثة التي تحل على الجميع دون استثناء. فبالتالي لا يمكن الخوف على دول جيشها موحد وقوي لأنها تستطيع الخروج من أزماتها ومنع أي محاولة للعبث.
ما حصل في اليمن وليبيا من تفكك وانهيار للدولة، مفزع ومرعب لا يمكن تصور الحلول لها بسهولة على المدى القريب او المتوسط، أصبحت دول بحاجة إلى بناء مؤسسات الدولة السيادية على أسس وطنية من الصفر وبالأخص الجيش والامن، وبدون أي تدخل او تأثير خارجي. كما يحدث الان، والا فمستقبلنا أسوأ بكثير للأسف.
اقراء أيضاً
الصين واليمن
"غريفيث" وتسويق الوهم
خذلان الصحفيين المختطفين