آخر من جرّب الحوار مع الحوثيين، كان هو عفاش الذي ظل يحمّل الشرعية ومكوناتها والتحالف بقيادة السعودية مسؤولية الحرب الحوثية، وكان يبرر اتهاماته هذه، على أساس أن الحرب اندلعت بسبب رفض الشرعية والتحالف العربي الدخول في حوار مع حليفته جماعة الحوثي، التي تمخض وجودها من رحم تمرد مسلح ونشأت وكونت تنظيمها بالحرب وفي الحرب وظلت تنمو ويتسع نفوذها السياسي والجغرافي والعسكري بالمعارك، وسقوط عاصمة الدولة ليس سوى نتيجة لسلسلة من حلقات حروبها ومعاركها .
ما حدث في ديسمبر من العام المنصرم لصالح عفاش وحزبه وشبكة نفوذه المالي والسياسي والعسكري، ليس سوى نتائج ومكاسب كما هي دوافع وأهداف المشاركة في أي حوار بالنسبة لجماعة طائفية تؤمن بالسلاح كعقيدة للوصول الى السلطة واحتكار والتهام النفوذ والهيمنة على الدولة من داخلها عبر السيطرة على مواقع القرار التنفيذي والهيمنة على الدولة من خارجها عبر سلطة المرشد الثوري .
في بداية ظهور الجماعة بخلفيتها السلالية والطائفية وحنينها لماضي الإمامة، نشأت كمنظومة عسكرية، والفرق بين الحوثي وبين اليمنيين من مختلف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية والاجتماعية، أن الحوثي يحمل السلاح كعقيدة تحقق له أقصى طموحات التمكين والقوة والهيمنة عندما تكون الجماعة في مستوى من التأثير والحضور العسكري والسياسي كما هي في الوضع الراهن، كما تحمل السلاح كعقيدة لحماية وجودها حينما تكون في مرحلة ضعف وبين مرحلة القوة والضعف يبقى السلاح عقيدتها، وأما الحوار فهو مجرد تكتيك تابع لعقيدة السلاح والحرب .
محلياً، الجماعة ربطت شرط وجودها وقوتها بإلغاء الدولة والسياسة وإضعاف جميع المكونات السياسية والاجتماعية الشعبية الى حيث تصبح أضعف من قدرتها على التأثير في موازين القوى لصالح توازن قوة يحمي قواعد التنافس ويردع كل محاولات تحدي لوجود الدولة ويمنع هيمنة كيان سياسي أو اجتماعي على بقية الكيانات، وبالتالي فأي حوار جاد سيجري في مرحلة كهذه، لن تشارك فيه الجماعة وإذا شاركت فستكون مشاركتها نوع من المراوغة والاستراحة، ما لم يكن واقع موازين القوة يتيح لها التحكم بقضايا ونتائج الحوار .
الأهم من فكرة الحوار مع جماعة الحوثي، طبيعة تكوينها ومصالحها كما تنظر هي اليها، وقبل ذلك طبيعة المرجعية الفكرية والطائفية التي تستند إليها ومنها تنطلق في حروبها وإدارة معاركها وسياساتها، فهل يمكن لجماعة نشأت بالحرب ونكثت بكل اتفاق نتج عن حوار أو مفاوضات بدءا بنكث اتفاقات الحروب الست مروراً بما توصلت اليها وساطات محلية في حروبها بمحافظة الجوف وحجة 2011-2013 ثم اتفاقات دماج وحاشد وعمران وصنعاء، وصولاً إلى اتفاقاتها في جولات التفاوض مع الحكومة الشرعية، وبعد ذلك اتفاق تحالفها مع صالح الذي أنتهى بقرار قتله كشرط لاغتنام نفوذه السياسي والمالي والعسكري . ثم ما جدوى حوار مع جماعة تحمل السلاح كعقيدة، ما لم تصل إلى قناعة بعدم جدوى السلاح؟ وتلك قناعة لن تصل اليها مالم تتلقى مزيدًا من الهزائم العسكرية وبعد أن يتعرض تنظيمها العسكري للتفكيك.
وبالنسبة لطبيعتها الأيديولوجية الطائفية التي تجعلها غير مقتنعة بغير السلاح، فتتبدى من خلال سلوكها السلالي في مساحة السلطة التي سيطرت عليها ومن خلال تمسك زعيمها بصفة قائد" الثورة" الذي يوجه ويتحكم ويهيمن على الدولة، وتمسك الجماعة بما تسميها " اللجان الثورية المسلحة" وذلك يعني بأولوية السلالة ومذهبها على الدولة والمجتمع وعلى كل شيء، بالإضافة إلى أن الجماعة أضحت أداة رئيسية من أدوات المشروع الإيراني التوسعي " تصدير الثورة الخمينية" وتضطلع بدور الوكالة لإيران وأي حوارات أو مفاوضات ستنخرط فيها، ستكون الحسابات الإيرانية حاكمة رئيسيه لمشاركتها .
بالنظر إلى ذلك، لا يمكن أن يوصف طرح البعض بأهمية قبول دعوات الحوثي لحوار ولأسباب تتعلق فقط بطبيعة العلاقة القائمة بين الشرعية والتحالف العربي، سوى أنه طرح عدمي بنوايا ساذجة .
اقراء أيضاً
فزع الحوثي من انتفاضة الشعب
إيران بحاجة للاتفاقية بقدر الحاجة السعودية لها
26 سبتمبر