لم نشهد حد الآن خطوة قادرة على انتشال الشباب من الشتات وتوحيد جهودهم وتوجيهها كمسار نضالي متماسك يمكنه أن يحمل أهداف فبراير بعيدا عن تزاحم إرث الماضي الذي برز فجأة في وجه الثورة ليجعل من أطرافها تنظر شزرا تجاه بعضها .
هؤلاء الشباب لم يكونوا مثقلين بثارات الماضي واستطاعوا أن يقاوموا ولفترة طويلة حالة الاستقطاب الحاد الذي خيم على المشهد الثوري بُعَيد المبادرة الخليجية وكأنه لم يتبقى للثورة من مهمة تذكر تجاه النظام وتحالفاته التي بدأت تتسع متسللة إلى داخل الثورة وممهدة للإنقضاض عليها ، كان شباب فبراير الأوائل بما شكلوه من كيانات وحركات داخل الساحات متنفس الثورة كلما ضغطت القوى الإقليمية والدولية على مكوناتها السياسية بغية فرملتها وكبحها ، أي أنهم كانوا قوة ثورية متمردة تحركها نزعة التغيير الجذري للنظام السياسي القائم في الوقت نفسه الذي كانت الحسابات السياسية طاغية على ذهنية الأحزاب.
وهو الأمر الذي أضعف جرأتها تجاه خيار التغيير الجذري واكتفت بما يشبه توسيع قاعدة الشراكة في الحكم آملة أن يخلق إزاحة رأس النظام وبعض رموزه فرصة تتسم بجو إيجابي يساعد على تسوية ومعالجة كل الملفات الساخنة في البلد ، وفعلا بدا الأمر للوهلة الأولى بعد تسليم صالح السلطة لنائبة وما تلاها من قرارات اطاحت بالكثير من رموز نظامه الفاسد ثم خطوة الحوار الوطني الشامل أن هذا المسار سيثمر التغيير المنشود وإن بالتدريج وسيحد من كلفة الاستمرار في الخيار الثوري بعيدا عن السياسة.
لكن سوء تقدير السياسيين لإمكانية الإنقلاب على هذا المسار بثورة مضادة لا تزال عوامل وإمكانات نشوبها قائمة مزقت أشرعة التسوية السياسية وأغرقت البلاد في الحرب التي شنها تحالف الانقلاب على اليمن واليمنيين ، كانت أهم مؤشرات الثورة المضادة رفض أذرع صالح المسيطرة على إمكانات الدولة وعتادها الاستجابة لما تقتضيه المرحلة الجديدة ، أقصد امتثالها لأوامر عبد ربه منصور كرئيس شرعي لليمن الجديد .
اليوم يمكننا القول جازمين أن الشباب الذين عضوا على الخيار الثوري بنواجذهم كانوا محقين فيما يروه ويقتنعون به ، فما دامت هناك ثورة فأن من الغبن وغياب الكياسة بل والمخاطرة أن تركن للتسويات التي تنتقص من أهدافها وتعيق مسارها ، شباب فبراير المجيد وعلى رأسهم قطاع واسع من شباب أحزاب الثورة المغدورة بالتسوية قاوموا هذا المسار إلا أنهم لم يكونوا قد نظموا أنفسهم بشكل يقوى على تغيير المعادلة والاستمرار في السير بالشعب على خط الثورة بعيدا عن مسالك السياسة .
والهدف من هذه التوطئة السابقة هي الوصول إلى فكرة أننا بحاجة اليوم إلى شباب فبراير وتحديدا خيوط فجره الأولى ، نحن بحاجة إلى تشكيل كتلة صلبة من هؤلاء الشباب لنبدأ خيارا نضاليا منظما يمكن أن يستعيد زمام المبادرة بالنسبة للثورة ومسارها ، وهذا يتطلب جهدا لإعادة علاقة هؤلاء الشباب ببعضهم كما كانت في شهور الثورة الأولى ، الشهور التي زعزعت بصمودهم وتضحياتهم الأرض من تحت أقدام الفاسدين ، فأي خطوة بهذا الاتجاه ستعيد جزءا من التماسك الثوري وخاصة في أوساط الشباب بل أنها ستعيد الثورة إلى مسارها الفاعل والمتحرك بإرادة وخيارات الثورة.
وفي هذا الصدد نشير إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها الثائرة توكل كرمان ومعها مجموعة من شباب فبراير المجيد ، وتعريجي هنا على توكل منبعه صوتها الوطني الفرص وموقفها الثوري المتجاوز دوما للفرز الحاصل في صف الشرعية والقوى المناهضة للانقلاب ما يجعلها في قلب المعادلة الثورية ويؤهلها لأن تكثف مع مجموعة من شباب طلائع الثورة الجهود التي تؤسس لقيام تيار فبراير العابر لثارات الماضي والواضع نصب عينيه فبراير وأهدافها.
بهذه الطريقة يمكن أن نستعيد خيار النضال الوطني الغير خاضع لتحكم الأيدي الممتدة إلى يمننا من خارج حدودها ، كما أن جزءا هاما من اهتمام توكل وجهودها ونضالها اليوم يجب أن ينصب على معركة تأهيل شباب الثورة الذين ستعتمد عليهم البلد في المستقبل بعد كل هذا الدمار الذي لحق بالأرض والإنسان .
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور