متى العودة؟
سؤال يطرحه الحنين في خلد هذا النازح الكئيب. في كل لحظة من لحظات يومه الثقيل، تصاغر الكون أمامه وبقت العودة هي جلّ ما في الكون. ليس بالأمر السهل معايشة النزوح، مهما بلغت الراحة منتهاها في أي بقعة من بقاع الأرض..
الحنين إلى الأرض؛ إلى المنزل؛ إلى كل تلك التفاصيل الصغيرة التي ما عادت هنا، بل هناك، يُحاصرها الموت من كل جانب..! الحنين، وسطوة الغياب، يحُولان بين هذا النازح وبين راحته !!
أدرك هذا الكئيب أنه ضحية حرب ظالمة شنها الانقلابيون.. لم تعد أمور السياسة تعنية وتشغله بذاك القدر الذي كان عليه. فهم أبعاد هذه الحرب وسياساتها أم لم يفهم، تلك الأخبار المتتالية حول تطورات الأحداث السياسية، كل شيء بات ثقيلا عليه.. فقط العودة هي كل ما يفكر به..
تمر الأيام والشهور، ولا ينقضي يوم إلا وأمله بالعودة في اليوم الآخر، يضاهي حجم مأساته التي يعيشها وهو يتذكر حياته البسيطة مع أهله في قريته !!
تلك الحياة التي سلبتها الحرب منهم.. يدرك تماما أن العودة تعني اندلاع معارك حاسمة تقتضي تحرير حتمي لقريته وللمدينة الكبيرة.. هو يعلم أن هذا الأمر قد يطول، ويطول جدا، في ظل عدم جاهزية المعنيين بالتحرير، وأن هذا الأمر يتطلب نَفَسًا طويلا وإرادة صلبة.
هو يعلم جيدا أن تلك الأرض، التي يكابد مأساته لأجل العودة إليها، قد أنهكتها الحرب، وأن أغلب منازلها أصبحت أطلالا.. هو يعلم أنها ما عادت تحمل زهرا أو شجرا.. ذبلت وأنهكها الظمأ.. تلك باتت تزرع الألغام في زواياها الصغيرة وفي ممراتها..
هو يعلم أن تلك الأرض تحمل الموت وحسب؛ ولكنه يجد الموت في هذا الحنين.. في حنايا الغياب يجد نفسه متهالكا متحسرا.. ذلك الحنين يجعله راضيا بالعودة مهما كانت العودة سبيلا للهلاك..!!
حين يسمع صوت رصاصة، أو قذيفة، تنطلق صوب أرضه، يحمل قلبه معها، ويتخيل- في غمرة من الأمل- أن تلك الطلقة قد أصابت أحد أولئك الذين شرّدوه من أرضه.. يتخيل، على الأقل، أنها أخافته، وتراجع خطوة من مكانه في تلك الأرض، وأصبحت زاوية صغيرة فيها متحررة منه، فيحمل قلبه إلى تلك الزاوية الصغيرة.
هذا النازح الكئيب، ينكسر كل يوم.. ينهزم كل لحظة.. ليس بمقدوره فعل شيء.. يحلم كل يوم، وأمل العودة يحمله كل حين..
لا شيء يعنيه سوى العودة بروح عزيزة، وموقف مشرف، وقضية ستخلده وتخلد كل مآسيه..
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
الجُهد الوطني المهدور
حجور تلك الانتفاضة الوطنية الخالصة