خلال الفترة القصيرة الماضية، تزايدت وتيرة الاستهداف الممنهج للصحفيين وحرية الصحافة في اليمن، سواء تلك التي يقف خلفها الانقلابيون الحوثيون، أو التي تحدث في المناطق المحررة، ويقوم بها مسلحون موالون لأطراف رئيسية في التحالف العربي، وفي كلتا الحالتين تختنق الصحافة الحرة، وتصبح مقيدة، أسيرة للخوف، كما لم يحدث من قبل.
أن تكون صحفيا يمنيا، فهذا يعني أنك مستهدف من قبل ثاني جماعة تنتهك حق الصحافة على مستوى العالم، وهي جماعة عبدالملك الحوثي، التي لا تؤمن بحرية الرأي والتعبير، قدر إيمانها بحرية القتل والتدمير، إنها جماعة تسلطت على حرية الفرد فأحالتها إلى جحيم مطبق، لامجال فيها للتنفيس عن غريزة الإنسان في الرأي والتعبير، تجاه مختلف القضايا.
انتهاكات الحوثيين بحق الصحافة، لم تتوقف فقط على الصحفيين المناوئين لها، بل شملت آخرين كانوا قد أعلنوا اعتزال العمل الصحفي بعد انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015، واتجهوا للعمل الخاص للابتعاد عن شبهات الصحافة وحتى لا يلطخوا أياديهم بحبر الكتابة، أحدهم كان الزميل يوسف عجلان الذي اعتقله الحوثيون لأكثر من عام، حتى جرى الإفراج عنه وفق صفقة تبادل، أفضت لإطلاقه مقابل مقاتل حوثي، إنها مقايضة القلم بالبندقية.
خلال ثلاث سنوات من انقلابها وسيطرتها على مؤسسات الدولة، كرّست ميليشيا الحوثي سياسة الصوت الواحد وتكميم الصوت الآخر، فصار الصوت الواحد الذي يلهج باسمها ويمجد جرائمها صوتا وطنيا حرا، بينما أصبح الصوت الآخر المناهض لجرائمها وانتهاكاتها بحق اليمنيين، صوتا نشازا مأجورا وعميلا يجب القضاء عليه بأي شكل كان، وكان من نتاج هذا التوجه إخلاء الساحة الإعلامية من جميع الأصوات الحرة والمنافحة عن الحقوق والحريات، لمصلحة الأصوات التي تجيد التطبيل والتزمير لممارسات الحوثي.
ذات مساء، حرض عبدالملك الحوثي على الصحفيين باعتبارهم أخطر من حاملي البندقية، فكان كلامه متسقا مع كل الانتهاكات التي نفذها أتباعه بحق الصحافة والصحفيين، قبل وبعد هذا الخطاب، ولعل الحوثيين أدركوا مبكرا ضرورة إقصاء الإعلام عن المشهد، ليمارسوا طقوسهم القذرة خارج دائرة الرقابة الصحفية، حتى لا تفوح روائح فسادهم ويشتمها عامة الناس.
أن تكون صحفيا يمنيا، يجب أن تعي جيدا أنك تمارس جريمة نكراء قد تصل عقوبة مرتكبها إلى الإعدام كما حدث مع الصحفيين قابل والعيزري_ رحمهما الله_ أو السجن والإخفاء القسري دون محاكمة في أحسن الأحوال كحال التسعة الذين جرى اختطافهم في صنعاء ومازالوا في غياهب السجن، وهذا لمن يخوض هذا المضمار في مناطق الحوثيين، أما من يخوض في هذا العمل في مناطق سيطرة الشرعية، فيعد هدفا مشروعا لآلة الموت الحوثية، كما حدث مع عدة صحفيين، بينهم سبعة قضوا نحبهم حتى اللحظة، وأصيب آخرون كتب لهم البقاء، إضافة إلى أن العمل الصحفي في بعض المناطق المحررة، أصبح تهمة وجريمة يجب معاقبة صاحبها، ولا يسلم الصحفيون والمؤسسات الصحفية من المضايقات والممارسات الرعناء التي تقف خلفها ميليشيات تدعمها الإمارات.
أن تكون صحفيا يمنيا، فهذا يعني أنك تتحمل عبئا ثقيلا، يتطلب منك التجرد من كل الحسابات الضيقة الداخلية والخارجية، وأن تنصت لصوت ضميرك، قبل أن تشرع بالكتابة في موقع أو صحيفة أو الحديث في أي منبر إعلامي، لاتدع ألاعيب السياسة تدس أوراقها في جيوبك فتدنس سريرتك، ولا تسمح لأي رقيب أن يحرف مسار قلمك فيملأ صحيفته بما يريد هو لا ما تريده أنت، عدا رقابة الشعب، فإنها تتجاوز كل الحسابات لتصنع من قلمك وسام تقدير تتقلده عند كل حرف تكتبه، وتصنع منه أيضا صوتا للمظلومين وصرخاتهم، وسوطا يلفح أجساد الظالمين أينما وحيثما كانوا.
أن تكون صحفيا يمنيا، فهذا يتطلب منك جهدا كبيرا لإيصال الحقيقة بكل مهنية وأمانة، وأن تنتصر للإنسان البسيط الذي تركته الحرب لقمة سائغة لنوائب الدهر والأيام، وتعاقب مآسي البؤس والحرمان. أن تكون صوتا للمعدمين أفضل بكثير أن تكون سوطا لجلاديهم.
أن تكون صحفيا يمنيا، يجب عليك أن تكون مستعدا للحظة التي تصبح فيها رقما في إحصائية ضحايا الحرب، فثمن الكلمة في هذا الوطن باهض جدا.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية