ما بين تحدي ظروف الحياة البائسة، والازمة التي تعصف باليمنيين تتراكم الأوجاع ويبدو ذلك أكثر على ملامح المواطنين في الأسواق والتي ُتظهر جانب من تأثير الإنهاك بمواجهة سلسلة من الكوارث منذ بدء الحرب التي أفقدت الجميع كل شيء، فرحهم، مستقبلهم، ومصدر عيشهم الذي يحقق لهم الأمان الشخصي.
ملامح الناس الباهتة وتقاسيم ووجوههم الشاحبة تظهر انكسار اليمني في لحظة ضعف وغَلبة الحياة وهمومها المنهمكة، حيث تضاعف الجُهد لتوفير المعيشية والاستقرار النفسي الذي يمكن أن يهدئ من حالة الخوف التي يعيشونها من المستقبل في ظل الحرب التي تمتد يومياً دون أي أفق للحل في الوقت القريب.
هذه البلاد تأريخها مُشبع بالصراعات والحروب منذ عقود طويلة حيث مرت بحروب مع دول الاستعمار، وحروب قبلية ومناطقية، ونزاعات طويلة لا حصر لها، لكنها بقيت متماسكة وقوية ولم تتلاشى رغم كل الضربات المميتة التي تعرضت له، انتهى كل أولئك المحاربون على ظهرها، المحتلون، الشجعان، الابطال، والمجرمون، مروا على ظهرها وبقيت بصلابتها ثابتة أمام كل العواصف.
شموخ اليمني وصلابته في تحدي كل الظروف والحروب ببقائه متمسكاً ببلاده بكل اوجعاها وظروفها القاسية، يتغرب اليمني في كل أصقاع الدنيا وتتغير ملامحه لكن روحة تبقى معلقة في أزقة حارته القديمة وتفاصيل بلاده وحكايات الأجداد، ورائحة طعامها، وقريته المعلقة في الجبال وطريقها الوعرة، وعندما يعود اليها ويستنشق هوائها لتستريح روحة.
لا احد يغير من جغرافيا هذه البلاد أياً كانت قوته، على مر التأريخ هزمت البرتغاليون، والأحباش، والبريطانيون، والعثمانيون، وكل من جاء إليها مقاتلاً، بما فيهم المصريون الذين ساندوا ثورة 26 سبتمبر 1962 رغم كل الامتنان الذي يبديه اليمنيين في مساعدتهم، لكنهم يرفضون من يقودهم بالسلاح أو يكون وصياً عليهم أياً كان فضله الكبير.
كم تقاتل اليمنيون في حروب داخلية طويلة وقصيرة بمختلف أنواعها العصبوية (مناطقية، قبلية) بالإضافة إلى عشرات من الانتفاضات المسلحة ضد أنظمة الحكم المختلفة، توحدت البلاد في الوقت الذي كانت الحضارات تتفكك، في المقابل تفككت إلى سلطنات صغيرة متفرقة، لكن كانت تخرج من كل هذه المنعطفات قوية تبحث عن الحياة من أكوام الرماد، هذه اليمن التي لا يعرفها الآخرون.
اليمني ينهزم حد الصمت واليأس وبلاده تدمر من كل جانب لكنه يبقى متحديا كل أمراء الحروب وقادتها في مواصلة حياته بكل معاناتها السيئة، ترهقه المعيشة والبحث عن حياة كريمة، لكنه لا ينكسر او يستسلم، يخفض رأسه ليتجنب الموت، لكنه مؤمن أن بلاده قوية لا تموت مهما طال الوجع واستوطن فيها.
على أعتاب العام الرابع من الحرب وانعدام كل مقومات الحياة لايزال اليمني يقظاً لكل ما يجرى حوله يتفاعل بشجاعة مع كل الأحداث، لم تنسيه سلسلة الأزمات ما يجري فيها من محاولات استغلال بشعة من قبل دول تعتقد أن من السهولة استغفال شعب عظيم لا ينكسر، لكن لحظات التأريخ الماكرة حتما ستأتي وتعيد لهذه البلاد مجدها من جديد.
نحن أمة عظيمة نحت اجدادنا من الجبال بيوتنا، وأقاموا ناطحات السحاب من الطين، وبنوا لنا حضارة نتذكرها كلما تعثرنا في الحياة وتكالبت علينا الكوارث، لابد لهذه البلاد من نصر كبير ومستقبل يليق به كما ينبغي، وإن غداً لهو أقرب لنا في "يمن سعيد" كما كانت توصف وكما نحب ونرجو.
المقال خاص بـ "يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم