شيئا فشيئاً تتلاشى مشاعر الإنسان، وهو يشاهد الجحيم الذي يشق طريقه للتمدد في أكثر من منطقة عربية وإسلامية، لِيُسقِط في طريقه ملايين الضحايا، ويصنع مثلها من المآسي، ومع التعود على هذا الجحيم يصبح الإنسان مجرد رقم لا أكثر، وتبدأ المشاعر الإنسانية بالتلاشي مع الاعتياد على هذا الواقع المر.
نحتاج اليوم إلى أن نعيد الاعتبار لإنسانيتنا المسلوبة بفعل الحرب وتداعياتها، وألا نسمح للحرب مهما بلغت قذارتها أن تنتزع منا إنسانيتنا، بدون أن نشعر، لتحولنا إلى حيوانات متوحشة، لاتجد المحبة والشفقة مكانا في تصرفاتها، وقبل ذلك في أفئدتها.
ستشاهد بأم عينيك مشاهد دموية يشيب لهولها الصغار، أشلاء ممزقة محاطة بكتل من الدماء، صرخات بكاء واستغاثة يتقطع لها القلب، مناشدات متكررة للعالم لإيقاف ما يحدث، هياكل عظمية أصابتها المجاعة ولاتزال تنبض بالحياة، وجوه بائسة خط ملامحها زمن كئيب، وغير ذلك كثير من هذه المشاهد، ستشاهدها في البداية والغصة تتحجر في حنجرتك، والدموع تغزو وجنتيك، لكن مع تكرار هذه المشاهد في أكثر من مكان وزمان، ستبدو ردة الفعل أقل، ومعها تنخفض المشاعر والأحاسيس لتصل إلى منحدر سحيق.. لا تسمح بحدوث ذلك مهما كان الأمر، وحافظ على إنسانيتك من التلاشي والضياع!
وأنت تمشي في الطريق، ستجد أطفالا مزق الزمن براءتهم قبل أن يمزق ثيابهم، ويكسر هامتهم الناصعة، قد يتجرأ أحدهم ويمد يديه طالبا منك المساعدة، سيكون عليك ألا تضيع فرصة ثمينة كهذه، أخرج ما تستطيع من مالك لتواسي به أحدهم، والابتسامة تغمر وجنتيك، دعه يشعر أنه إنسان يستحق الحياة لا مجرد متسوّل يدور في فلك التيه والضياع، هناك فرق بين من يتسوّل دون وجه وحق، وبين من يبحث عن الحياة في جيوب المارة.
كن رحيما مهما كانت طبيعتك قاسية وقلبك لا يتأثر، لتدع قسوتك جانبا، ولتضع نفسك في نفس الموقف الذي يعيشه البائسون من حولك، وحجم الأنين الذي يغزو ديارهم بأيامها ولياليها، ربما تخسر بعض المال، لكنه بمقياس الآخرة هو ما كسبته، وسيبقى حاضرا معك في مرحلة ما بعد الموت، في يوم العرض والحساب.
وأنت تتجول في الأسواق ومراكز التجارة، ستجد العديد من الأمهات والعجائز يفترشن الأرض، ويمددن أياديهن النقية المرتعشة لكل من يمر، يتحدث لسان حالهن عن أوضاع مزرية، وتختزل تجاعيدهن الكثير من الغصص والمواقف والأهوال، أمام مشهد كهذا لا تدع إنسانيتك على الحياد، لن يضيرك أن تجود بما تيّسر لتنتصر لإنسانيتك وضميرك، وتصنع حالة من السعادة تتربع على دواخلك، ستشعر بحالة نادرة من الرضا والارتياح، جرب ولو لمرة واحدة ولن تندم قط!
ربما تقرأ منشورات في منصات التواصل تحمل نداءات استغاثة للتبرع بالدم، وأنت في قمة عنفوانك وصحتك، قطرات من الدم كافية لأن تنقذ جريحا من الموت، وتمنحه حياة جديدة ليواصل السير في دربها كيفما كانت، سيكون عليك أن تنتصر لإنسانيتك وتمنح الحياة لغيرك، كمية بسيطة قد لا تعني لك شيئا كثيرا، لكنها الحياة بذاتها للكثير من المرضى والمصابين.. لا تبخل!
نحن نعيش في زمن ذل فيه عزيز، وعز فيه ذليل، كثيرون فقدوا كل ما يملكون إلا الكبرياء وعزة النفس، مهما بلغت بهم شدة الفقر والحاجة، إلا أنهم يظهرون متماسكين بحيث لا يشعر بمعاناتهم أحد، أمثال هؤلاء يجب عليك أن تواسيهم وتمد لهم يد المساعدة، دون من أو حتى أدنى إشعار بحاجتهم إليك، تحسس الأزقة والحارات، وستجدهم يقتاتون الجوع بكل اعتزاز، دون أن أي تذمر من القدر.
كن إنسانا قبل كل شيء، كن أبا لليتامى، وابنا للثكالى، وأخا للأرامل والمعوزين، ونصيرا للمظلومين، إياك أن تنسى إنسانيتك وأنت تعيش رحلة عمرك في درب هذه الحياة.. إياك.
المقال خاص بـ"يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية