سبع سنوات مرّت على الحدث الأبرز في تاريخ اليمن الحديث، الثورة الشبابية الشعبية، التي تجاوزت الخط الفاصل بين الحزب الحاكم والمعارضة السياسية، لتفرض واقعا جديدا يصعب تجاوزه أو القفز عليه.
لقد كانت ثورة فبراير شعبية خالصة، لم يصنعها مكون سياسي معين، أو شريحة معينة، صنعها الشعب فقط، بعد تراكمات من الفساد والقهر والفقر والبطالة ومصادرة الحقوق، لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، إنها ثورة استمدت قوتها من صراخ المعدمين، وآهات المستضعفين، وأصوت بطون الجوعى، وزفرات البائسين.
سبعة أعوام كانت كافية لأن تتضح معالم الثورة، وخفايا الدور الداخلي والخارجي الذي عمل على وأد الثورة ومكتسباتها، وأيضا إعادة تقييم المواقف الثورية والسياسية خلال مرحلة الثورة وما بعدها.
المبادرة الخليجية، كانت حجر الزاوية في المشهد اليمني أثناء مرحلة الثورة، وشكّلت أرضية لتبادل المواقف والآراء بشقيها المؤيد والمعارض، ومن المهم التذكير بأن المبادرة الخليجية جاءت بناءً على طلب المخلوع الراحل صالح من الدول الخليجية لحلحلة الأزمة وفق تعبير صالح، متجاوزا كونها ثورة شعبية خرجت لإسقاطه ونظامه بعد انسداد الأفق السياسي.
لقد كانت أحزاب المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك أكثر ذكاء، عندما رفضت التفاوض مع صالح ونظامه بداية الثورة، ودعته للتفاوض مع القيادات الثورية في ساحات الثورة، لكنها كانت أيضا أكثر غباء عندما نصبت نفسها كغطاء سياسي للثورة، وهي ليست عند مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها.
في مقابلة له مع صحيفة عكاظ، أعلن الجنرال علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية، عن توصل أحزاب اللقاء المشترك ونظام صالح لاتفاق بوساطته، يقضي بمنح اللقاء المشترك نصف الحكومة، مقابل إخلاء ساحات الثورة، وإنهاء الاعتصامات، لكن حدوث مجزرة الكرامة تسبب في تعطل هذا الاتفاق.
من هذا الرواية، يمكن فهم دور أحزاب المعارضة في ثورة فبراير، وظهور المبادرة الخليجية، والتي جاءت بعد أسبوعين فقط من مجزرة الكرامة، وتعثر المفاوضات مع المعارضة والتي كان يرعاها الجنرال الذي أعلن تأييده للثورة بعد مذبحة الكرامة.
دور أحزاب اللقاء المشترك في الثورة كان فاعلا ومؤثرا، لكنها لم تكن هي من بدأت الثورة، إذ إن الوقائع على الأرض تشير إلى دور كبير للشباب في التمهيد للثورة في منتصف يناير 2011، بمظاهرة طالبت بتغيير النظام، كما أن الهبة الشعبية التي دعت لها أحزب المعارضة في 3 فبراير لم تكن تهدف لإسقاط النظام، لكن آلاف الهتافات العفوية المطالبة بالتغيير، برزت بقوة خلال هذه الهبة الشعبية، ومن الأهمية أن نشير إلى أن أحزاب اللقاء المشترك أعلنت تأييدها للثورة الشعبية بعد قرابة أسبوع من انطلاقها، ودعت أنصارها للمشاركة فيها.
لا ينكر أحد أن السواد الأعظم من الثائرين، كانوا مؤطرين ضمن أحزاب اللقاء المشترك، ومشاركتهم في الثورة كان قائم بالأساس على قناعاتهم بضرورة الثورة، لا مجرد الاستجابة فقط لدعوات المعارضة السياسية بالنزول للميدان، وفي حين كانت الثورة ترسم أهداف عريضة أولها إسقاط النظام بكل رموزه، كانت أحزاب المعارضة لا تطمح لأكثر من إشراكها في السلطة، وإن بدت مواقفها مؤيدة للثورة وأهدافها.
وحتى تتضح الصورة أكثر، نجد أن المعارضة السياسية وافقت على معظم بنود المبادرة الخليجية في نسخها الخمس، ولازلت أتذكر عندما أعلن متحدث باسم اللقاء المشترك، أن المبادرة الخليجية في حكم الميت، على أن هذا الخطاب تغيّر كثيرا بعد أشهر من الثورة، ففي حين كانت الثورة تسلك مسلكا واضحا تعلن من خلاله عن أهدافها ومواقفها الثابتة، كانت المعارضة أكثر براغماتية في التعامل مع الأحداث والمجريات، انطلاقا من ظروف الملعب السياسي وليس الثوري، ولذلك كان بديهيا أن نجد قيادات في المعارضة تدعو الثوار لعدم التصعيد عند توفر مؤشرات تعتقد أنها إيجابية للحل السياسي.
صحيح إن أحزب اللقاء المشترك، لعبت دورا بارزا في تقديم الدعم المادي والمعنوي لساحات الثورة، لكن ذلك لايمنحها الحق في تقرير المسار الثوري، واختزال ثورة شعبية في نطاق أزمة سياسية بين النظام والمعارضة، كما أن عدم تحرك القيادات الثورية بفاعلية، وزيادة الضغوط الخارجية، أتاح للمعارضة لعب مثل هذا الدور.
عند العودة بالذاكرة، إلى ماقبل توقيع المبادرة الخليجية، نجد طيف شعبي واسع يعلن رفضه القاطع لهذه المبادرة، والحصانة التي تُمنح للنظام من الملاحقة بموجب هذه المبادرة، وهو موقف متناغم مع أهداف الثورة في إقامة العدالة والمساواة وحفظ الحقوق، وأيضا متناغم مع حجم التضحيات العظيمة التي قدمها الثوار على امتداد الخارطة اليمنية، إذ من العار أن تؤدي الثورة إلى مقايضة سياسية تسقط الحاكم مقابل هدر وقودها وتضحياتها، لكن في غرف السياسة الأمر يختلف كليا؛ لا يوجد مبادئ محددة.
بالعودة أيضا إلى تاريخ ما بعد توقيع المبادرة الخليجية، نجد أن المعارضة عملت على إيقاف المسار الثوري، والترويج لفكرة تنحي صالح، أكثر من مسألة الحصانة اللاقانونية للرجل، ونجحت كثيرا في ذلك، إذ أن المبادرة الخليجية التي ظلت مرفوضة لأشهر، أصبحت محل ترحيب ببندها الأبرز على الأقل، وهو رحيل صالح، وهو ما يعكس حالة الضعف التي أصابت الثورة، في تلك المرحلة، خاصة بعد وقوف الدول الخليجية في وجه الثورة، وإصرارها على الحل السياسي، في إطار تسوية سياسية لم تكن سوى مخدر مؤقت لحالة مستعصية.
بالمجمل فإن أحزاب المعارضة، نجحت في انتزاع بعض مطالب الثورة، وحققت مطالبها أيضا بتولي نصف الحقائب الوزارية، لكنها تورطت بشرعنة سفك الدماء، عبر إقرارها بمنح حصانة كاملة لصالح من أي ملاحقة، فضلا عن أنها دخلت لعبة سياسية جديدة، كان عنوانها الأساسي إعادة إنتاج النظام القديم وتصفية قوى المعارضة والثورة بدون استثناء، وهو ماحدث ويحدث منذ انقلاب الحوثيين وصالح على السلطة، بمساعدة دول شاركت في صياغة المبادرة الخليجية.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية