الثورة بطبيعتها أكبر من خصومها ومن الثوار أنفسهم وأكبر من أن يخضعها كيان أو حزب قبل انطلاقها للتخطيط والدراسة.. هي مسار حتمي ناتج عن انسداد سياسي واجتماعي واقتصادي بفعل سياسة النظام الحاكم .. ويرتبط مفهومها بحسب الفيلسوفة الألمانية حنة آرندت في كتابها " في الثورة" بالفكرة التي تقول إن مسار التاريخ قد بدأ من جديد فجأة.
تندلع الثورة دون أن تستأذن النظام الذي جعلها ممراً اجبارياً، ولا تتوقف عن مخاوف الشعب الذي سيتحمل كلفتها الباهظة نتيجة عدم انصياع الثورة المضادة التي تستنفر كل قدراتها وامتداداتها المالية والطائفية والجهوية، بالإضافة الى تبني خطاب خلاصته بأن سبب الخراب والعنف هو خروج قطاعات شعبية واسعة ترفض الفساد الممنهج والظلم السائد وليس وجود الفساد والظلم ذاتهما .
في الحالة اليمنية، وصلت اليمن إلى انسداد شامل مع غياب أي أفق للأمل في ظل عدم قابلية نظام صالح للإصلاح وتوظيف قدرات الدولة وإمكاناتها ومقدراتها لحماية انعدام هذه القابلية وضرب فكرة الجمهورية في جوهرها وإفراغها من محتوياتها السياسية والاجتماعية وقيم الحرية والمواطنة. هنا وجد الشعب نفسه أمام مسار حتمي تمثل بالثورة. إذ أنها ليست خيار يختارها الشعب من بين مجموعة خيارات وهذا ما يجعلها ثورة، ولا توجد ثورة مخطط لها، فالتخطيط قبل حدوثها يجعلها مجرد محاولة اصلاح سياسي أو انقلاب تنفذه جماعة وليس شعب .
يطرح جماعة الثورة المضادة سردية ساذجة مفادها أن الثورة اليمنية 2011، أسقطت الجمهورية، انطلاقاً من قناعة لديهم تعرّف الجمهورية أنها تتلخص في نظام صالح الجهوي وتحالفاته الطائفية ،ويقع الحوثي كأحد أهم نتائج وتجليات نظام صالح ضمن تعريف جماعة الثورة المضادة للجمهورية، كون حركته الإمامية نشأت في سياق الآعيب النظام واستراتيجيته في بناء وإدارة التوازنات، ولو كانت الجمهورية حيّة وقائمة في طبيعة الدولة والسلطة، لما اندلعت ثورة شعبية شاركت فيها قطاعات شعبية واسعة .. نظام صالح مثل قطيعة للتأريخ اليمني عن ثورتي سبتمبر 1962م وأكتوبر 1964م وعن نضالات الحركة الوطنية، وأسس لانقسامات طائفية ومناطقية داخل المجتمع وانقلاب على كل مضامينهما، بما فيها الجمهورية والوحدة الوطنية، وفبراير جاءت ووضعت اليمنيين أمام مواجهة مباشرة مع هذا الانقلاب المبكر ونتائجه في آن، ومنها الارتدادة الإمامية التي ورثت تركة النظام الهش.
أما محاولات جمهور الثورة المضادة في مناطحة الثورة اليمنية 2011م، والحديث عن كونها نكبة وليست ثورة، فهي مثيرة للشفقة، كما انها تعبير عن الوعي البدائي الساذج الذي يفصل الأحداث عن سياقاتها ودوافعها وأسبابها، وهو وعي يعكس تدمير نظام صالح لمنظومة القيم الأخلاقية التي تجعل الضحية يلوم من رفض الظلم ويحمله مسؤولية خراب الظلم ذاته. كما يتجلى انحطاط محاججات الثورة المضادة لإثبات أن ما حدث في العام 2011م ليست ثورة، ثم يتساءل أنصارها بعدمية: كيف ثورة ومن قال للزعيم ارحل، رحل هو؟
من العبث استهلاك جزء من الجهد في محاولة إقناع أنصار الثورة المضادة بأن ما حدث كانت ثورة، إذ أن الثورة ذاتها غير معنية باعتراف هؤلاء بها، فهي حدثت وشكلت بداية جديدة لمسار جديد من التأريخ السياسي والاجتماعي اليمني، واذا كان انقلاب الحوثي دليل على أنها ليست ثورة كما يحاجج هؤلاء، فالثورة الفرنسية أدت إلى سيطرة اليعاقبة وهم جماعة شديدة الشبه بالحوثيين، ومن ثم جاءت بنابليون الذي انقلب على الجمهورية وأعلن الامبراطورية، كما أن رموز وقادة الثورة الفرنسية بعد أن أسقطوا الملكية تعرضوا لحرب شرسة شنتها الثورة المضادة، بل أن روبسبيير أشهر قادة الثورة التي أسقطت الملكية تعرض للإعدام .. لكنها بقيت، الثورة الفرنسية وستبقى فبراير الثورة اليمنية.
اقراء أيضاً
فزع الحوثي من انتفاضة الشعب
إيران بحاجة للاتفاقية بقدر الحاجة السعودية لها
26 سبتمبر