في العام 2011 كنت أدردش مع صديق سعودي يعمل في قناة (العربية) واقترح علي أن أرسل له سيرتي الذاتية ليقدمها هو لرئيس القناة عبدالرحمن الراشد، لأنهم يحتاجون لمحرر يمني في غرفة الأخبار مع تصاعد الأحداث.. لم يطل الأمر، تلقائيا وجه الراشد بدعوتي إلى مقر القناة في دبي، وذلك للتدرب على كتابة التقارير التلفزيونية ومونتاجها وتجهيزها للبث وفقا لأنظمة القنوات الإخبارية.
سار الأمر على مايرام وتدربت مع كبار محررين وبإشراف منتجي نشرات من كبار الصحفيين وخلال اسبوعين أصبح التقرير التلفزيوني الذي يتم تكليفي به عملا ممتعا كونك تحول ذلك النص الذي اعتدت كتابته جافا للصحف والمواقع إلى صورة متحركة.
بعد اسبوعين من التدريب في غرفة الأخبار بقيت مقابلة شخصية مع رئيس التحرير ومدير غرفة الأخبار نبيل الخطيب الذي استقال مؤخرا من منصبه هناك.
أجريت مقابلة واختبار ثقافة عامة أجبت فيه عن معظم الأسئلة في الجغرافيا والسياسة والأدب واللغة وغيرها وهي أشياء كانت بالنسبة لي ممتعة أيضا، وفي آخر اللقاء أبلغني أن أنتظر منه اتصالا، أما إذا وصلني بريد إلكتروني فنصحني أن لا افتحه، -من باب الظرافة طبعا- لأنه سيكون خبر عدم قبولي، أما إذا لم تأتي مكالمة أو بريد فالانتظار أيضا إيجابي حسب قوله.
عدت إلى اليمن وأبلغني زملاء في القناة أن كل التقييمات كانت ممتازة، وأن المسألة مسألة وقت للانتقال إلى دبي.
قدم نبيل الخطيب استقالته بعد ست سنوات من مقابلتي ولم اتلقى اتصالا منه ولا بريد، واختفى ملفي في القناة حتى اللحظة بدون معرفة سبب اختفائه، خصوصا أن الأمر كان استدعاء للتدريب وتجهيزي والتأكد من قدرتي واستعدادي للعمل ولم يكن الأمر تنافسيا.
دارت السنوات، وبدلا من أن أصبح موظفا في القناة أصبحت ضيفا على الشاشة كمتحدث في الشأن اليمني من مكتب القناة في صنعاء ثم في القاهرة وأي مكان أسافر إليه ولو مؤقتا كباريس وجنيف وجدة والكويت وظهرت لسنتين بشكل شبه يومي حتى شعرت بالملل وشعرت أنه لم يعد هناك جديدا ليقال.
غادرت مصر للإقامة في هولندا وهنا كانت نهاية حكايتي مع العربية، وحاول الزملاء هناك التواصل معي لعدة مرات واعتذرت عن الظهور بطريقة مهذبة، ولم أحدث أحدا عن سبب عدم الظهور ولا أخجل اليوم من القول إن السبب ببساطة أني لا أستطيع أن أكون جزءا من الحرب الإعلامية على قطر.
يحضرني في الحديث عن الإمارات حاليا شيء لم أكن أشأ التحدث به، وهو إيقاف ظهوري على قناة سكاي نيوز، فبعد أن كنت ضيفا دائما على تلك الشاشة فجأة توقف الأمر بدون سابق إنذار، وانتبهت بعد شهرين أن الأمر ليس طبيعيا، والمضحك أن إحدى الصحفيات في غرفة الأخبار اتصلت بي مخطئة في الرقم لأربع مرات خلال شهرين وحين أقول لها اسمي أشعر أنها تعرضت للسعة ثعبان.
بعد مدة ابلغني أحد الزملاء في سكاي أنني كتبت تغريدة عن الإمارات تسببت بصدور تعميم من (جهات عليا) بعدم ظهوري على كل قنوات الإمارات وغيرها، وشمل الإيقاف قناة سكاي ودبي وأبوظبي وحتى قناة الآن وأورينت.
عدت لأبحث عن التغريدة التي إزعجت ال (جهات العليا) في الإمارات فكانت تغريدة تخص ترحيل أبناء تعز من عدن حين شحن الحزام الأمني مئات البشر على متن شاحنات وطردهم من عدن.
لم أتحدث عن الأمر وقلت إنه ثمن تافه مقابل التحدث عن أوجاع الناس.
استمرت علاقتي بالعربية والزملاء فيها ودية حتى نشر الفيديو الذي أثار جدلا واسعا وتسبب بلغط كبير حيث تلقفته المطابخ الإعلامية الإماراتية باحتفاء لون كل الصفحات المزيفة والمزينة بأعلام دولة الجنوب سابقا.
أسوأ تساؤل حاصرني لحظة مشاهدة الفيديو هو: ماذا لو وجد الزملاء في العربية شيئا يضعني في موقف لا أُحسد عليه، ألن يتذكروا مدائحهم لنقاشي عقب كثير من المقابلات!!
ارسلت الفيديو لأحد كبار مذيعي القناة، فاتصل بي هاتفيا وتحدثنا كأصدقاء وشعرت بمصداقية مشاعر الأسف تجاه ماحدث خصوصا أنه لم يجد مبررا لذلك الأمر.
زميل آخر في القناة حدثني عن (المتطرفين) للإمارات الذين أزعجتهم التغريدات فقرروا أن يوصلوا لي رسالة أصبحت بقدرة قادر تاجا على رأسي.
يعتقد كثيرون أن تغريدة السفير السعودي هي ما أثارت انزعاج الفريق الذي أعد الفيديو عن تغريدتي ومحاولة تشويهي بفكرة أنني أدير حسابا باسم عبير الخولاني.
الحقيقة هي الموجعة دوما، ومن تلك الحقائق تذكير الناس بقصف معسكر كوفل في مارب بمدافع إماراتية، تلك الواقعة هي التي أثارت حفيظة (عيال الإمارات) في القناة، كانت تلك التغريدة عن تذكير الناس بفيلم (كيد الأشقاء) الذي أعده الزميل جمال المليكي لقناة الجزيرة، وشهادة المصور الذي تواجد في المكان الخطأ، أو الصحيح حين أبلغ ضابط إماراتي مراسل العربية بالاستعداد لتغطية حدث مهم واتضح أن الحدث قصف معسكر كوفل التابع للشرعية.
استدليت بتلك الحكاية حين ظهر في الأخبار أن الطيران الإماراتي شارك في قصف ألوية الحماية الرئاسية في عدن، وأعدت نشر الفيلم للناس ليعرفوا أن الإمارات يمكن أن تفعل المستحيل، وأنها يمكن أن تقصف حتى معسكرات الشرعية في مارب غدا.
أجمل ما حدث لي عقب محاولة تشويه صورتي من الزملاء في العربية بذلك الفيديو هو حس الانتماء لمحيطي الذي أبعد عنه آلاف الأميال، تدفق ذلك الكم المهول من منشورات المساندة وتضامن الزملاء في نقابة الصحفيين، ورسائل البسطاء الذين لا يعرفون عني شيئا سوى هذه المهنة المزعجة واللذيذة معا، جعلني أشعر بيمنيتي التي تكبر بالغياب عن جغرافيتها، وبنكهة الحرية التي طالما حرصت أن أتعامل معها كشجرة تكبر أسرع منا لكنها لا تموت حتى بعد موتنا.
الشكر والامتنان قليل بحق هؤلاء الذين وقفوا إلى جواري وأحرجوا العربية بأن اللعبة كانت طفولية، وأن المشاهد أصبح أذكى مما تتخيلون، وأن نسخ تغريدة ونشرها لايحتاج لدقيقتين، وإنما لخمس ثوان فقط، وأن من ينشر تغريدة في حسابه الرسمي لايحتاج لنشرها في حساب صغير بينما هو قد أوصل رسالته في حسابه الذي لديه نحو 80 ألف متابع.
*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
طفولتنا السبتمبرية
الحِنيّة البريطانية بين الحديدة ومأرب!
طارق.. قبعة أصغر من رأس تعز