تدور في الكواليس حاليا نقاشات بين قيادات الأحزاب الأربعة الكبار (المؤتمر، الإصلاح، الناصري، الاشتراكي)، لحلحلة الأوضاع في تعز، وهو خبر يبعث على الأمل والترقب.
تعزيز سلطة الدولة في المحافظة، وتعزيز سلطة المحافظ وتدعيم سلطته على كل التشكيلات الأمنية والعسكرية وتوزيعاتها الجغرافية، ستكون الخطوة الأهم إذا قررت هذه الأحزاب السير بعيدا في اتجاه تقوية قدرات الدولة وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.
أسوأ مايتهامس به المتهامسون هو الإصرار على جرجرة تعز إلى واقع لاتتسع المحافظة لتفاصيله، وكأن المحافظة بحاجة لمحور يعمق الانقسامات في تعز بقيادة طارق صالح، ومنحه مساحة ليكون جزءا من القرار في المحافظة.
مثل هذا التفكير هو محاولة أقل مايقال عنها بأنها إمعان في تجريح محافظة تعجنها الإشكالات بين الأطراف الموجودة، ولا متسع لإشكالات أخرى.
الأغرب من هذا، هو أن يكون بطل الحكاية الشيخ سلطان البركاني، والأكثر غرابة هو أن هذا التوجه يحمل شقين في أسبابه؛ الشق الأول نكاية في رفاق له في الحزب، يرى أنه مازال لديهم قبول في المشهد السياسي في تعز؛ والشق الآخر سعي للتقرب إلى الإمارات، ولو كانت الأضحية قريته ومزارعه!!
يدرك هؤلاء أن تعز بحاجة لعمل سياسي أولا وأخيرا، واجتماع قادة الأحزاب هو الركيزة الأولى لحل المشكلة، ولدى قادة الأحزاب مساحة لاستعادة زمام الصراع على المساحة الخاصة بخدمة المواطن وحريته، وحقه في التعبير، وحقه في الأمن، وحمايته من الحوثي، ومن ابتزاز المليشيات، وتصحيح واقع الجيش، كجيش تحت قيادة ممثلي الدولة في المحافظة.
لا أعرف أي منطق يمكن أن يتحدث به عدد من أبناء المحافظة، الذين يسعون لخدمة الإمارات كحليف أصبح مشكلة ولايمكن أن يكون حلا مهما حلم الحالمون. فليس في رأس الإمارات سوى عقلية إقصائية تدميرية، ولايهمها أن تتدمر كل البلدان طالما هي بعيدة عنها، ولايهمها أن يذهب حلفاءها أنفسهم إلى الجحيم، طالما يتحقق هدفها ولو كان بحجم ذبابة.
المساعي لفرض طارق، هي أغبى خطوة يمكن أن يفكر بها صاحب عقل في تعز. فليست المحافظة أرضية للصراع، بل بدأت كمحافظة منكوبة بالحوثيين، وبقناصات طارق صالح، ويجب أن تبقى كذلك. لسنا في صدد النسيان، وليس من حق البركاني أو من حقنا التحدث باسم الضحايا، وتعريف طارق بما يحبون أن يعرفوه هم به.
كانت المدينة بعافيتها سياسيا، حين كان سلاح المقاومة كله متجها صوب هدف واحد. وكان المخلافي والحمادي وأبو العباس وصادق وغيرهم، قادة مقاومة، وتحررت مساحات شاسعة وبأثمان باهضة دفعتها المدينة دما ومبانٍ وممتلكات..
لم ينكسر ظهر المدينة سوى حين وصلت المدرعات الإماراتية الأربع، وبدأ بعد مدة ذلك الصراع الدامي بين مسميات المقاومة.
اليوم، وبرغم التمترس الحاصل، إلا أن الأمر مازال قابلا للحلحلة، بعيدا عن الاتكاء على الإمارات، كدولة أثبتت كل التجارب في اليمن وخارجها أنها تحترف العبث وليس لديها نوايا لمساعدة أي دولة سوى بالدبابات والصواريخ، وليس لديها أي نوايا للمساعدة في بناء أي شيء، ولنا في تجربة ميناء عدن عبرة برغم أن ذلك كان قبل توحشها، فما بالكم باليوم؟!
طارق يعرف أنه لامكان له في تعز، وأن تعز رأسا كبيرة جدا ولا يمكن إلباسها قبعة صغيرة كحجمه. فقبعة تعز يجب أن تخاط بأطيافها المتعددة، وليس بشخص لايعترف بكيان الدولة وممثل شرعيتها.
لطارق أهدافه وثاراته، وقد نحترم خياراته الثأرية مع الحوثي، لكننا لاننسى ماذا فعل قبل ذلك. وفي المقابل لن تتوقف ثأراته عند الحوثي وحسب، وهذا يدعو الجميع لإدراك حجم العبثية التي ستطال تعز، في حال فكر بعضهم بعقلية المناكفة غير محسوبة العواقب..
فلو أن في قلوب هؤلاء ذرة حب لتعز، فليكونوا في صف توحيد الجهود، لتقليل عدد التشكيلات العسكرية والمليشيات، لا استدعاء مليشيات أخرى إلى المحافظة.
اقراء أيضاً
طفولتنا السبتمبرية
الحِنيّة البريطانية بين الحديدة ومأرب!
تعز.. النموذج التائه!