حيث يكون الشباب يكون الأمل وتكون الثورات والمعجزات وهكذا هم شباب اليمن ، ثوار حركة ال 15 يناير الثورة الطلابية الشبابية السلمية كانوا أولى قطرات غيث الأمل ، كانوا بؤرة الثورة اليمنية وتعبيرها الأصدق والأنقى الذين بادروا لإضرامها سابقين غيرهم من قوها الأخرى.
لم يكن شباب اليمن أقل من شباب تونس وطنية وحنكة ودهاء واستبسالا فتعوزهم المقدرة لتخليق مختلف وسائل المقاومة والصمود التي تضمن استمرار ثورتهم وتجاوزها مرحلة الوأد في بداية الطريق ، بالعكس تماما فقد تميز شباب اليمن الثائر على غيرهم من شباب الربيع وتجلى هذا التميز بإدراك شباب الخامس عشر من يناير الذي انطلقوا من جامعة صنعاء أهلية الظروف لثورة شعبية تنهي عهد نظام الأزمات و الحروب والإفقار فضلا عن الحفاظ على سلمية ثورتهم في بلد يسوده منطق السلاح والاحتكام إليه .
كسب الشباب الثائر من جامعة صنعاء في 15 يناير بطاقاتهم الجامحة وتطلعاتهم اللامعة وصمودهم الأسطوري ثقة الجماهير التي سارعت للالتحاق بالثورة في الحادي عشر من فبراير واستمر تدفقها حتى وصلت الثورة أوجها آخذة طابعا شعبيا عصيا على الانكسار وحافلة بالتضحية من أجل اليمن ومستقبله ،
إنها ذكرى ثورتنا الخالدة ، نبهني الفيس اليوم فيما أنا غارق في تراكمات وهموم هذا الحدث الأغر بكل ما يحمله من تعقيدات وتداخلات ، هذا اليوم الذي بدا لي نائيا يطل من صفحات تاريخ المجد والكرامة ، إنها الأحداث المتسارعة التي دشنها الخامس عشر من يناير والتي ما كان لها أن تتسارع أو حتى تلد في غيابه تجعلني أشعر أنني مخضرم عشت قرونا وكنت شاهدا وجزءا من كل أحداثها المكثفة ، لقد هز هذا اليوم عروش المستبدين كما زلزلنا نحن الثوار حين وضعنا في مواجهة مباشرة مع كل مفسدة وكارثة راكمها واحد من أفشل الأنظمة التي غادرت حياة اليمنيين ولم تترك ما يدعو لهامش الأسف عليها ، هزم يوم الخامس عشر من يناير وما اقتضاه من ثورة شعبية النظام السابق ولا يزال يخوض معركته الأخيرة مع ركامه المتهافت في اتجاهات شتى والذي خلفه السقوط ويكابد عبثا للبقاء وبأكثر من صورة يتشكل وفقها ، فمرة يأخذ شكل صناعة زعيم انتهت صلاحيته ولفظه الشعب عن آخره ومرة أخرى يحاول الركام أن يعيد تشكيل أجزاءه التالفة المتآكلة على هيئة إمامة تأمل أن تبعث من مماتها خارج الزمن وهكذا تستمر تصفية الحساب بين الثورة والركام الذي حوى كل من لديهم مصلحة في هزيمة الثورة وقمعها .
مع مؤشرات نجاح ثورة ?? فبراير الشعبية -وبوتيرة متسارعة- بدأت تتشكل حالة من إعادة الاصطفاف بين القوى التي وجدت نفسها ومشاريعها في طريقها للزوال بفعل الثورة الشعبية ولذلك لجأت تبحث لنفسها عن بيئة خصبة لإعادة إنعاش مشاريعها الصغيرة بتحالفات جعلت من الثورة خصما لابد وأن تطيح به.
تقاطعت مصالح المصطفين تحت راية الانقلاب مع قوى إقليمية ودولية حضرت محملة بمصالح فساد ونفوذ وهيمنة شعرت أن الثورة الشعبية هددتها وأنها قد تنتقل باليمن إلى طور الدولة ( ذات السيادة ) والتي ستفرض العلاقات الندية معهم وتقصي على الفساد والنهب ، ولا أستبعد أن يكون ناهبو ثروات الشعوب القادمين من خارج الحدود قد انهمكوا على تنسيق وتركيب تحالف الحرب والانقلاب على الثورة ، ولأن صالح كان محشورا لا يستطيع أن يقمع الثورة بفعل بعض الاتفاقات التي خلقها حدث فبراير مثل المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن تم البحث عمن يحله من وثاقه ويوفر له مغالطات تشرعن حربه الرعناء على اليمن واليمنيين . نهابو الثروات وأصحاب رغبات النفوذ العابر يدركون تماما مرامي ومكاسب سياساتهم فضلا عن الحوثي الذي وضع نصب عينيه هدفه السلالي ولذلك جرى انتقاء الأخير بعناية فائقة ليصبح صالح وتحت وطأة ضغط رغبة الإنتقام هو التائه الوحيد داخل تحالف أعداء المشروع الوطني الذي قامت من أجله الثورة .
وصل العمى بصالح الذي لم يقدر الثورة الشعبية كمنقذ للجميع بمن فيهم هو من هول ما صنع نظامه أن وضع أدوات الدولة وقوتها ونفوذها رافدا لتغذية وتسمين الحليف الذي أطلق على رأسه في نهاية حاجته إليه رصاصة الرحمة ، لم يكن الحوثي وزنابيله ليمانعون هذه المصادفة الثمينة ، مصادفة أن يمتطيه صالح إلى محطة ما يلقيه فيها من على شاهق مشروع حق جده الإلهي المفرض ، لقد كانت سعادتهم وظفرهم كبيرين وهم يهرولون إلى أحضان الفاني ، وأن يدافعوا وببجاحة عن اصطفافهم إلى جانبه وبحجج واهية ومثيرة للاشمئزاز.
وأياً يكن الغبن والخسارة والآلام التي خلفها تحالف الانقلاب إلا أنه على ما يبدو أمر محتوم ومرض قائم بذاته وبغيره من العوامل لابد وأن تتجشم الثورة عناء القضاء عليه ، وأعتقد أن من مصلحة الوطن استمرار حالة الفرز التي أحدثتها الثورة ليتبين الغث من السمين والملايين من أبناء الشعب ستتجاوز المتساقطون ، حيث لن تقوى تلك الفئات التي تمثل مجموع الركام من الصمود طويلا بالقدر الذي ستنكشف وتتعرى أمام الجميع ، فيصبح من السهل يوما بعد آخر التصدي لها وركلها إلى مزبلة التاريخ .
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور