لم يكن المؤتمر الشعبي آخر أحزاب (الرئيس) التي صنعت في منطقتنا والعالم لخدمة الديمقراطية على طريقتنا وكذلك المصالح الاستقوائية.
المؤتمر الشعبي أسسه علي عبدالله صالح لخدمات ذاتية بحتة، ومصيره الطبيعي أن يذهب بذهاب تلك المهمة لأنه لم يكن حزب الفكرة، ولا حزب الهدف الدائم بقدر ما هو حزب الدعم السياسي للحاكم الفرد.
ذهب المؤتمر الشعبي مثل ما ذهب الاتحاد الاشتراكي العربي الذي أسسه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في 1962 كحزب وحيد يقود الحياة السياسية في مصر.
في جنوب اليمن تأسس الحزب الاشتراكي في السبعينات كحزب حاكم وحيد كان مصيره ما يحدث اليوم للمؤتمر الشعبي العام.
في تونس رأس الحبيب بورقيبة الحزب الاشتراكي الدستوري من الستينات كحزب حاكم متفرد بالسلطة حتى نهاية الثمانينات وواصل فيه خلفه بن علي حتى انتهى وانتهى الحزب معه في 2011.
وفي موريتانيا تزعم معاوية ولد سيدي أحمد الطائع الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي طوال فترة حكمه حتى تم الانقلاب عليه وهو في زيارة إلى الرياض واختفى الرئيس ومعه حزبه.
وفي العراق كان مصير حزب البعث كفص ملح وذاب مع دخول الغزو الأمريكي.
وفي مصر اختفى الحزب الوطني مع رحيل مبارك وأحرق وتم تسوية مقره على كورنيش النيل بالأرض وهو الحزب الذي أسسه مبارك بعد مجيئه بعد أن حلّ حزب عبدالناصر.
مصير متكرر يمكن لأي قارئ بسيط أن يعرف كيف ستكون خاتمة أي حزب يتفرد بالسلطة ويدعي أنه حزب سياسي ومؤسسي.
قدر الأحزاب المستدامة أن تأتي من الناس وأن لا تزيح البقية كي تبقى هي.
تأسس المؤتمر الشعبي العام في ظروف كانت تنبئ عن بداية مرحلة جديدة بعد رحيل رئيسين بانقلاب سلمي هما السلال والإرياني ورئيسين بانقلاب دموي هما الحمدي والغشمي.
بدأت فترة تأسيس العمل السري لبعض الأحزاب وكان لزاما على صالح أن يبدأ بعمل سياسي إلى جانب سيطرته العسكرية، ثم تحول الحزب بعد سنوات إلى خزنة لشراء الولاءات والشخصيات الاجتماعية وجمعية خيرية لتعبئة جيوب المشائخ والوجاهات الاجتماعية.
حين غادر الحزب السلطة في 2011 بقي متخبطا يحاول أن يعارض بطريقة الحاكم، وهي طريقة جديدة لم تحدث في المنطقة وليس لها إرث يتكئ عليها وهنا صدقت نبوءة الكاتب والبرلماني الكويتي أحمد الربعي.
حضر الربعي آخر دورة للمؤتمر الشعبي العام في عدن وألقى كلمة بحضور صالح كان يفترض أن تكون وصية يحفظها صالح وأعوانه من بعده.
قال الربعي: "أخشى أن يبقى المؤتمر الشعبي في الحكم فينسى كيف يعارض، وأخشى أن تظل المعارضة معارضة حتى تنسى كيف تحكم".
لم يفطن أحد لمقولة الربعي، وجاء اليوم الذي صدقت فيه مخاوف الربعي، فقد غادر المؤتمر الحكم وهو لم يتهيأ للمعارضة، فكانت المعارضة على طريقة صالح: "أنا عد أوريكم المعارضة".
وقد "ورّانا" الوجه الأقبح لأقبح معارضات الدنيا، وفجأة انتهى به الحال لذات الوجه الذي نهجه في معارضته.
لم يكن الحزب للناس ومن أجلهم، بل كان مجرد (كرت) تعامل به صالح من ضمن كروت الكوتشينة التي تحدث عنها في مقابلة ذات حين وكان حينها متباهيا باستخدام الأوراق.
السياسيون اليمنيون ظلوا ينادون بضرورة تماسك الحزب وتحويله لمؤسسة سياسية بعيدا عن شخصنة صالح للحزب في أثناء كان على قيد الحياة لكنه رفض إلا أن يبقى لصيقا به من القصر إلى القبر.
أنتج لعب الأوراق هذه اللعبة الورقية التي تشظت اليوم إلى (مؤتمرات) عديدة في الداخل والخارج.
نداءات السياسيين منذ زمن كانت عبارة عن مخاوف من تكرار تجربة الحزب الاشتراكي الذي مازال حتى اللحظة غير قادر على التخلص من إرث الحزب (الحاكم) في مرحلة ما قبل الوحدة.
اليوم بات على المؤتمر أن يقتنع بأنه لم يعد جديرا بخوض السياسة بتلك الطريقة التي ورثها صالح لمقربيه في الحزب، وبات لزاما عليه الخروج إلى فضاء سياسي أوسع وفكر سياسي يتواءم مع فكرة ما بعد الحوثي، لأن مشروع الحوثي هو مشروع للرحيل كونه مشروع قائم على الحرب وليس على البناء ، على الإقصاء وليس على الاقتناع بوجود شعب يستحق أن يحكمه أبناءه بناء على اختيارهم هم.
اقراء أيضاً
طفولتنا السبتمبرية
الحِنيّة البريطانية بين الحديدة ومأرب!
طارق.. قبعة أصغر من رأس تعز