يروى أنهم ذهبوا بمجنون إلى أحد السادة في تعز، وحين وصلوا به إلى (قُبة)* السيد المداوي، حمل عصا مرعبة وضربه بها ضربة جعلت المجنون يصرخ متألما ويهرب بكل ما لديه من سرعة، فأمسكوا به خارج القبة، سألوه: "مالك أيش في"، رد عليهم مرعوبا: "في مجنون في القبة".
هكذا كان السيد، مجرد شخص يحفظ القرآن ويداوي المسحورين والمجانين بالعصا والجنون المضاد.
ربما لا ينطبق الكلام عن سادة شمال الشمال، لكن السادة في تعز عرفوا بهذه الميزة، إضافة إلى تميزهم بالموالد الصوفية التي كانت تقام في عدد من المناسبات الدينية كمولد النبي ورمضان وغيرها.
لا شيء كان يخيفنا منهم، وكنا نتغنى بأغانيهم التي لحنها أيوب في عدد من شراكاته الغنائية مع الجنيد في تعز وغيرها، وظلت تلك الصورة في ذهننا أن السيد هو الذي يعالج المجانين وينشد الموالد.
بعد مرور عقود اتضح أن المعالج كان مجرد شخص مجنون فعلا، ولم يكذب المجنون الهارب من القبة، ولم يستوعب الناس ما قاله المجنون منذ وقت مبكر، فقد كنا نربي مجنونا في ذواتنا ولم ندرك أنه سيكون على هذا القدر من الجنون.
أتى عبدالملك الحوثي بعصاه ليعالج جرعة الأسعار، فضرب ضربته وفر نص الشعب من منازلهم، وفجر ما شاء له أن يفجر وقتل من قدر على قتله، ودمر من المدن ما استطاع، كل ذلك ليعالج الجني في رأس الشعب اليمني، ليكتشف الناس خلال ثلاث سنوات أن الجني لم يكن سوى في رأس الحوثي ولا جني غيره في البلاد.
يدخل المجنون عامه الرابع مرحلة متقدمة من الجنون وصلت إلى حد لم يعهده اليمنيون حتى في عهد جده الإمام يحي، أو جده المجنون الإمام أحمد، وكلهم كانوا يديرون الناس بطريقة علاج المجنون.
حملات الاعتقالات والاقتحامات والتصفيات التي تشهدها صنعاء ومنع المواطنين من السفر قبل إبلاغ الحوثيين بيوم واحد يؤكد مدى الجنون الذي وصلت إليه جماعة الحوثي.
اليوم لم يعد أي أحد يصرخ من أي مرض في ظل حكم الحوثي، الجميع يبلع لسانه وصراخه لأن المعالج قاتل، كل علاجه صار بالدم والبارود فقط.
لا المستشفيات تعالج، ولا المدارس تدرس، ولا المؤسسات تصرف الرواتب، ولا الجيش جيش، ولا الدولة دولة، وكل شيء صار في حكم صعدة.
لا شيء غير صعدة (تعصد) البلاد، فالإمام من صعدة، وعامله من صعدة، وأبواقه من صعدة، والقتلة من صعدة، ولدي صديق واحد من صعدة أخشى عليه أيضا من جنون السيد.
من أين لهؤلاء طاقة لفتح كل هذه السجون في البلاد، من أين لهم طاقة بقتل كل هذا الكم من البشر، وتفجير كل هذا الكم من المنازل.
إنها طاقة المجنون الذي لا يكل من الخراب، يمسك مئزره ويمضي بعصاه يدمر كل ما يصادفه أمامه.
ألا يسالون أنفسهم في لحظة (عقل) مثلا: (ما الذي أنجزناه للناس؟)
ألا يخطر ببالهم هذا السؤال، ولماذا يجب على الناس احتمالهم، وبأي مبرر يصبرون على بقائهم..
الا تخطر ببالهم هذه الاسئلة فعلا!
ألا يخطر ببالهم حجم القهر الذي سينفجر به الناس في وجودهم في أول لحظة يأتي طبيب لمعالجة دماغ الحوثي بذات الطريقة التي عالج بها مشاكل البلاد!
ألا يدرك هؤلاء أنهم سيصبحون هدفا لكل يمني، لأنه لم يعد هناك من يحمل لهم جميلا..
فعل الحوثي كل ما بوسعه ليزرع في الناس كراهية للهاشميين لا يمكن أن تمحى ولو محى الشعب كله.
ألم يدرك الحوثي أن شعبا كريما كهذا ثار خلال 12 عاما ثلاث ثورات، لم تقهره إعدامات 1948 ولا إعدامات 1955 فنجح في 1962 وحطم حينها أبواب السجون ليخرج المجرمين من وجهة نظر أجداده ويصبحوا وزراء من وجهة نظر الجمهورية.
لن يكل هذا الشعب من الانتظار، ولن يمل من كراهيتكم، ولن تنتزعوا الحرية من صدره بجنونكم، سيترقب حتى حين، وحينها لنا حكاية أخرى مع مجانينكم، فالعلاج سيكون بذات العصا التي تحملونها.
وخزة:
يقول أبو العلاء المعري:
أمَا لأميرِ هذا المصرِ عَقلٌ
يُقيم، عن الطريق، ذوي النّجومِ؟
فكم قطَعوا السّبيلَ على ضَعيفٍ،
ولم يُعفُوا النّساءَ منَ الهُجوم
همُ ناسٌ، ولو رُجِموا استحقّوا
بأنّهمُ شَياطينُ الرّجوم
.....
*القبة: المكان التي يدفن فيها ضريح أحد الأولياء.. وتشبه المجلس، يقيم فيها (السيد) المداوي
اقراء أيضاً
طفولتنا السبتمبرية
الحِنيّة البريطانية بين الحديدة ومأرب!
طارق.. قبعة أصغر من رأس تعز