تدخل الحرب في اليمن شتاءها الثالث، دون أي بوادر تلوح في الأفق لوقف نزيف الدم اليمني، وإنهاء الانقلاب، وإعادة الشرعية إلى ربوع الوطن.
ومع حلول الشتاء يخوض الجيش الوطني معركة من نوع آخر، تعتمد على الصبر والصمود وقوة التحمل، معركة محورها الرئيسي برد الشتاء القارس، الذي بدأ معركته باكرا هذا العام، وأشد مما سبقه من الأعوام.
في سفوح الجبال والتباب يشتد البرد، ومعه تشتد معاناة المرابطين في هذه الأماكن، وهم يذودون عن الوطن؛ من أمامهم عدو جاهل، أدخل البلاد في دوامة القتل والتدمير، بسبب نزواته وأطماعه وأحقاده؛ وفي محيطهم نزلات البرد الشتوية، تجمد مفاصلهم، وتقرص أجسادهم، وتحيلهم إلى كتل متجمدة، ولا نجاة من هذا الموقف، حتى تشرق عليهم الشمس، لتخفف عنهم زمهرير البرد، وتدب الحياة في أجسامهم من جديد.
كالمعتاد عند دخول كل شتاء، تبح أصوات الجنود وهم يطالبون القيادة العسكرية، بتوفير ملابس شتوية، تكفل لهم مواجهة موجات البرد، وينصب اهتمامهم على معركتهم المصيرية مع القوى الانقلابية، بدلا من التفرغ لسرد قصصهم ومعاناتهم مع يوميات الشتاء، الحافلة بالأمراض المختلفة، ومنغصاتها المنهكة.
وعادة ما تصل هذه النداءات إلى الحاضنة الشعبية، قبل أن تلتقطها المؤسسة العسكرية على استحياء، فتسعى الحاضنة الشعبية لتوفير الاحتياجات قدر الإمكان عبر المبادرات الطوعية، بينما غالبا ما تكتفي المؤسسة العسكرية بالصمت والمراقبة عن بعد، مستندة على رصيد واسع من خذلان الشرعية وتحالف الجيران.
الجندي الذي وضع روحه على شفير الموت، وهي أغلى ما يملك، لأجل حياة ملايين الأرواح، ليس من العدل تركه في جبهات القتال يخوض بمفرده معركة جانبية مع البرد...! كما أنه ليس من العدل أيضا أن تكون قيادتنا العسكرية بحاجة دائما إلى من يُذّكِّرها بواجب أن تبذل ما بوسعها للتخفيف عن أبطال الجيش الوطني، وتوفير احتياجاتهم لمواجهة الشتاء القارس، بدلا من الركون على المبادرات الشعبية، التي لا يسعنا في مثل هذا المقام إلا أن نرفع لها القبعات إجلالا لما بذلته، وما زالت، من جهود كبيرة لإسناد الجيش الوطني، منذ اليوم الأول لانطلاق الحرب.
لكن؛ هل يعلم مسؤولو السلطة الشرعية، القابعين في فنادق الرياض الفارهة، أن هناك أبطالا يرابطون في جبهات القتال؛ يكابدون الجوع والسهر، وشحة الدعم والتسليح، ومع كل شتاء تضاف إليهم معاناة أخرى لمواجهة شدة البرد، كل ذلك لأجل أن يعود هؤلاء المسؤولين لإدارة شؤون البلاد من داخل أرض الوطن، وليس من المنفى؟!
كما أنه من المؤلم أيضا، أن يسهر المرابطون في الثغور وقمم الجبال والتباب والمتارس، لياليهم بين الرصاص والقصف وقسوة البرد، لحماية - وبالنيابة عن أولئك- الآخرين من هواة الكتابات الفيسبوكية النزقة، التي لا هدف لها سوى تشويه الجنود، والانتقاص من تضحياتهم، دون دليل أو برهان...!! أو تعميم بعض التصرفات الفردية على جميع أفراد الجيش الوطني لذات الهدف...!
وهنا يجدر بنا، أيضا، أن نتساءل: هل يعلم عشاق الـ"لايكات" الفيسبوكية، وبائعي الوهم والشائعات، في الفضاء الافتراضي، حجم تلك المعاناة التي يعيشها أولئك الجنود الأبطال في ثغورهم، لا سيما في هذه الأشهر الشتوية القارسة؟
إن كل حرف يكتبه هؤلاء، ينتقصون فيه من تضحيات جنود الشرعية، أو يهاجمون فيه أداء الجيش الوطني بغرض التشويه، بحجة ممارسة حرية النقد، ليس سوى حرية انتقائية، من حقنا التشكيك فيها باستهداف الجيش تجريحا وتدليسا، بما لا يخدم سوى المشروع الانقلابي.
في الأخير؛ ثمة واجب وطني يلزم الجميع القيام به، فالأيام القادمة ستكون حافلة بمزيد من البرد، وقسوة الشتاء، وآثارها المرضية ستصيب ثغورنا بالضعف، وقد تخرج الكثير من الجنود عن الخدمة، إن لم نقم بما يتوجب علينا، وفي المقام الأول: قيادتنا العسكرية.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية