من غير المعقول أن تستمر اللعبة هكذا دون ضخ أفكار جديدة، كي تبقَ تعز في أتون صراع دائم، كيف لا؟ وعجلة الاستقرار فيها تسير كما يتطلع أبناؤها، حتى وإن شابها البطء. فمن يوم إلى آخر نشهد ضمانات واقعية على سلاسة الانتقال نحو الدولة الكاملة التي ينشدها الناس ولا عائق لها سوى ما تفتعله التشكيلات المصنّفة، من زوابع تحاول من خلالها إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل زيارة الوفد الحكومي لتعز.
بوجه أو بآخر تستميت هذه التشكيلات في تكوين أعداء لها بواسطة عمليات ترقى إلى مستوى عمل العصابات المنظّمة، من اختطافات وتقطعات ومحاولات ابتزاز مستمرة، سواء للمواطنين أو العسكريين المنظويين تحت الألوية الحكومية المعروفة، ولمّا تنتهي من العملية الأولى حتى تلج في الأخرى، ضمن سياق إجرامي يهدف إلى زعزعة السكينة العامة ومصادرة حق الناس في عيش آمن.
منذ أن استكمل "أبو العباس" تشكيل كتائبه المسلحة، التي صنّفت بعد حين كجناح إرهابي تابع له، وتعز لم تنعم بالسلام الدائم وكأن الرجل دخل مع الحوثيين وأعوانهم الإقليميين في اتفاق للعب الدور الذي كانوا يلعبونه عندما حاولوا اجتياح تعز ولم يستطيعوا حينها على الرغم من محاولاتهم الحثيثة التي استمرت عاماً ونيف.
عدا ذلك، افتعل الرجل مواجهات عسكرية مع الشاب المغمور "غزوان"، وأخرجه إلى الأضواء ليستخدمه حجة لممارسة هوايته التي تجعل من تعز مدينةً مستوحشة لا يسكنها إلا الأشباح، واستمر على ذلك المنوال في أكثر من مرة قبل أن يسيطر على مواقع تطل على المدينة كانت تستخدمها مليشيا الحوثي وصالح لاستهداف الأحياء السكنية، فتمركز فيها وأخرجها عن أهلية الاستخدام العسكري المساند لجبهات القتال المشتعلة من حين لآخر، ليؤكد مرة أخرى على أنه مجرد أداة لتنفيذ أجندة مشبوهة لا تخدم تعز ولا اليمن عموما.
استطاعت القوات الحكومية أن تعتقل "غزوان"، لتتيح له الفرصة من جديد كي يبرهن يمنيته المزعومة، وحتى لا يختلق الأعذار الواهية التي يستخدمها مع كل عملية عسكرية في المدينة.. ودون سابق سبب، حاولت كتائب "أبي العباس" مجدداً اجتياح مبانٍ أمنية وخدمية تتبع الحكومة بغية السيطرة عليها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية تفرض الأجندة التي يعمل عليها، لكنه وُوجه هذه المرة بحزم شديد من قبل الشرطة العسكرية وتشكيلات عسكرية رسمية كادت أن تنهي ممارساته الخارجة عن نطاق القانون والعرف قبل أن يتدخل أحد وكلاء محافظة تعز المثيرين للجدل ويهدأ الوضع، كالعادة، مشكلاً لجنة وساطة عملت حينها على ضمان عدم تكرار مثل هذه المحاولات الهوشلية التي لا تخدم تعز ولا أبنائها.
من حين إلى آخر، استمر "أبو العباس"، وكتائبه ومساندوه من التنظيمات المتطرفة الأخرى في دورهم المرسوم الذي يعيق إحياء مؤسسات الدولة، ويعمل على استهدافها بممارسات شنيعة تزيد من علامات الاستفهام المثارة حوله وتجعل منه عدواً بديلاً للانقلابين الحوثيين...! فضلا عن انسحاباته المتواصلة من أوساط المعارك المفصلية، والدلائل على هذا كثيرة، ولا يمكن تجاهلها بدءاً بثعبات ومروراً بالجحملية والصلو وغيرها، ثم ما إن يتحقق النصر، حتى يبدأ بفرد عضلاته، وينشر أفراده للسيطرة والسطو على أغلب المناطق المستعادة، فتحيلها جماعته إلى مجرد بيوت خاوية استكمالاً للدور الذي لم تسعف الظروف الحوثيين للقيام به.
إن هذه التشكيلات المتمردة لا تعدو عن كونها أداة معيقة لاستكمال مشروع الدولة في تعز، وهو ما يتطلب سرعة الحسم بحزم في هذه القضية المفصلية التي يعني استمرارها بقاء تعز في دوامة صراع لا نهاية له، بل قد تجعل منها مستهدفة كون التشكيلات المتمردة فيها مصنفة بتبعيتها لأيدولوجيات متطرفة لها رصيد وافر من العداء الدولي، مهما كان الغطاء واسعاً ومتيناً لممارسة مهامها من قبل لاعبين إقليميين باتوا مفضوحين على المستوى المحلي والدولي بسبب ما يمارسونه من أعمال خارجة عن نطاق ما هو معلن منها، لتتحول إلى أداة احتلالية ذات أبعاد أخرى تكرس للعبة إقليمية، وتؤسس لصراع بعيد المدى، وتتخذ من اليمن أرضاً خصبة لتحقيق مرادها.
وأعني بهذا الإمارات على وجه التحديد، التي شوهت تاريخها بممارساتها المتباينة مع أهداف التحالف العربي الرامي لاستعادة الشرعية، وليس لمصادرة الموانئ والأراضي وتحويلها إلى مستنقعات خاصة تمارس من خلالها ألاعيبها الأراجيفية في المنطقة برمتها.
ولم يعد خافيا على أحد، أن المحاولة الأخيرة لهذه التشكيلات المنفلتة، تندرج ضمن أعمالها الرامية إلى تقويض جهود الدولة، فبعد اختطاف عسكريين حكوميين وإخفائهم لدواع مجهولة وغير مبررة لهم، حاولوا اقتحام مقرات أمنية جديدة في عملية منظمة لم يكتب لها النجاح بسبب اليقظة التامة عند الألوية العسكرية التي تصدت لها بل ودحرتها، وكادت أن تتم ما لم تستطع إتمامه في المرة الأولى، ليتدخل مجدداً وكيل المحافظة الذي ما زال يثير علامات الاستفهام تباعاً، متنصلاً عن دوره المحوري الذي يخوله لدعم الجيش والأمن وإطلاق عملية واسعة بقيادة محور تعز لإنهاء حالة التمرد المعلنة من قبل هذه التشكيلات المسلحة المتمردة، لا أن يعمل على تقويض جهود الدولة المتخلقة، ويفسح لهم المجال مرة أخرى ليلتقطوا أنفاسهم، تمهيدا لإعادة الكرة في عملية أخرى تزعزع أمن تعز وتمس استقرارها وتهدم ما تم بناؤه حتى اللحظة في سبيل استعادة مؤسسات الدولة.
وعلى أية حال، فما حدث مؤخرا من قبل هذه الجماعة، وما واجهته من حزم، يؤكد أنه قد حان الوقت، فإما أن يعودوا مواطنين صالحين، وإما أن يعاملوا بحزم أكبر، باعتبارهم خارجين عن إطار الدولة، مثلهم كمثل الحوثيين الذين عملوا، ويعملون، على تقويض أسس الدولة، وصولا إلى تدمير البلاد برمتها...
ومهما حدث من خذلان في هذا الجانب، يبقى التعويل على أن هذه المجاميع ستظل مجرد تشكيلات متمردة، لن يكتب لها النجاح ما دامت تمارس قبحها على المواطنين، وما له صلة بهم.
أما الدولة، فلا خوف ولا قلق عليها، ستبقى وستنفث روح الحياة وستبسط وجودها بالأمن والاستقرار، ولن يكون مصير هؤلاء إلا الزوال طال الزمان أم قصر.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل