أربع محافظات، وأكثر من سبعة مليون نسمة، خارج حسبة التشكيل الحكومي الجديد، لا الرئيس هادي ولا مستشاروه، ولا رئيس الحكومة، ولا الأحزاب التي تقاسمت الكعكة بعد جدال مستفيض، ثم ها هي تتشاركها بعيدًا عن إقليم تهامة، أحد أهم الأقاليم الستة المتفق عليها في الحوار الوطني، والإقليم البكر الواعد الذي لم يُكتشف بعد بمحافظاته الأربع الحديدة وحجة والمحويت وريمة.
يشكل الإقليم أهمية استراتيجية للبلاد، فامتداد ساحله من ميدي إلى المخا، وميناؤه الرئيسي الحديدة يعد ثاني أهم ميناء في اليمن بعد ميناء عدن، وميناء الصليف ورأس عيسى لهما أهمية خاصة كمينائين مختصين بالنفط، ولهما ارتباطاتهما المحلية المهمة.. من هنا اكتسب الإقليم أهميته، كما أنه يعد سلة غذائية لليمن، فتهامة سهل زراعي خصب، وتمر فيه أودية رئيسية، كما أن ثروته البحرية لا تُقدّر بثمن، فهي تطل عبر شريط ساحلي يمتد لكيلومترات على البحر الأحمر.
لا مبرر، ولا أعذار لدى صنّاع القرار في إقصاء تهامة من حكومة المناصفة والمحاصصة، فهذا إقصاء للكيان التهامي برمته، وانقلاب على ما تم التوافق عليه وطنيًا، إذ يكفي تهامة وأبناؤها تهميشًا وإقصاءً، يكفي إخراجهم من المعادلة الوطنية دون سبب، وتجاهل مطالبهم دون اعتبار للمكانة التاريخية والوجود الاستراتيجي لتهامة الأرض والإنسان.
مثير للقلق كل هذا التجاهل، وأكثر منه إثارة ما يدور في أغلب مناطقها المحررة من تغييب للهوية الجامعة هناك، ومحاولة الانقلاب على تهامة وأبنائها الذين دفعوا الغالي والنفيس لاستعادة كرامتهم وتحرير محافظاتهم؛ إيمانًا بالجمهورية والمشروع الوطني الجامع، وهو ما يدعو لوضع الإقليم ضمن خصوصية لا يمكن العبور عليها، شأنه شأن الأقاليم الستة الأخرى.
دحضت القوى السياسية مخرجات الحوار الوطني، وانقلبت عليها بإقصاء الشباب والمرأة من التشكيل المعلن، وأضافت إلى المكونين الهامين إقليم تهامة، وكأنه خال من الكوادر المؤهلة والمتخصصة، أو غير جاهزين للإدارة في ظل المرحلة الراهنة، والتهاميون يملكون قدرات تؤهلهم للعب أدوار محورية خالصة لوجه الوطن دون تبعية لجهة ما، ودون انخراط في أي لعبة إقليمية تستهدف اليمن بجوهرها الثقافي والاجتماعي، ولتهامة مؤيدات تاريخية حين واجهت الإمامة وتشكيلاتها الاستبدادية وما زالت منذ ذلك الحين على عهدها الجمهوري ولن تحيد.
غير مقبول البتة أن يُتعامل مع أحد أهم الأقاليم بهذه الصورة المستهترة، وإخراجه من الحسبة السياسية، في استمرار غير مبرر لمسلسل التهميش للكوادر والقيادات التهامية ذات الثقل الإداري، والتي متى ما أتيحت لها الفرصة ستكون عند مستوى المسؤولية وعند الطموح الشعبي كعادتها.
ليس بالضرورة أن يُفهم هذا المقال بأنه نبرة مناطقية كما يشيع البعض أي حضور من هذا القبيل يُطالب بحق، بل هو جوهر الدعوة للتعايش وبناء السلام، فالشراكة الوطنية دون إقصاء تمهد لسلام مستدام، يقبل الجميع ويحظى بدعمهم، لا انتقاء فيه على أساس طبقي أو مناطقي أو سلالي، كما يكرّس البعض ذلك وإن ادعى أنه وطني من النخاع إلى النخاع!
لا لاستغلال تهامة عند الحاجة، وعند أي محفل وطني يتم إخراجها من الحسبة عنوة، وهي التي لا يمكن تجاهلها ببحرها وموانئها وتضاريسها وتنوعها وكل ما فيها، هذا غير مقبول، ولا يقبله عاقل يستوعب أهميتها المحورية تاريخيًا ووطنيا.
اقراء أيضاً
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل
لا للوصاية