أخيرًا، توجه الجميع نحو تنفيذ الشق العسكري أولًا، وهي بادرة تظهر جدية الجانبين للوصول إلى حل نهائي للحالة التي تعيشها البلاد، بعد تجاذبات شديدة وهروب من تنفيذ اتفاق الرياض لأكثر من عام، وهو ما يستوجب البدء دون توقف؛ نظرًا للوضع الآخذ في التدهور على كافة المستويات.
بكل تأكيد لا يمكن لمساعي تقويض الحضور الشكلي للدولة وبمؤسساتها الخدمية أن تنجح، مهما كانت النتائج، فاللاعب الخفي سعى لعام بأكمله لتبقى الصورة بهذا الشكل الفوضوي، وخسرنا عامًا آخر كان بالإمكان أن يكون أفضل مما كان، دفع المواطنون ثمن هذا الصراع المفتعل، وباعوا الواقع بكله لارتهانات لا علاقة لها باليمن واليمنيين، وأصبحوا عبئًا يزيد من حدة الوضع بهروبهم وسكوتهم وخذلانهم وعجزهم في الوقت ذاته.
الضغوط السعودية المتواصلة وصلت إلى حكومة نهائية، بعد مخاض عسير استمر عامًا كاملًا، فالسعودية بجلالة قدرها لم تستطع تقريب وجهات النظر، ولا حتى الضغط الفعّال طوال الأشهر الماضية، واستمتعت بوصول الوضع إلى كل هذا الانهيار، وكأنها تقدم خدمات جليلة للحوثيين؛ ليقدموا صورة مثالية عن حكم المليشيا، لا الدولة التي سكب اليمنيون دماءهم من أجلها، وقدموا أنفس ما يملكون نظير صمودها والدفاع عنها، وكأن المملكة التي لم نعد نفهمها تكرّس من حضور المليشيا، والكيانات المُفرّغة، وجماعات الفزعة المصطنعة، لتحقيق ما تريده، والذي لا يعدو عن إبقاء اليمن تحت إطار النظرة الاستعلائية، وتُمارس كل هذه الألاعيب لبقائها مثخنة أكبر فترة زمنية ممكنة.
لم يُعلن بعد رسميًا عن التشكيل الحكومي المرتقب، لكن تسريبات بقوائم المرشحين من الوزراء أثبتت كم أن العلامة السعودية حاضرة وبقوة، إذ تم استنساخ شخصيات أثبتت فشلها الذريع طوال السنوات الماضية، وزادوها إلى إدارتها إدارة وزارات أخرى تحت مظلة تخفيض العدد وتعدد المهام، ولا يهم النتائج التي ستترتب على ذلك، وكأننا لا نستفيد من دروس الأمس، لكننا أمام حكومة بلا أجنحة، لن تُحلّق أبدًا، سيقتصر دورها على المحدودية وفق الرؤية السعودية القاصرة للمرحلة، وفي كل مرة لن يكون تجاوز اتفاق الرياض مزاجًا توافقيًا، فهو مسمار جحا الذي سيظل خانقًا للتصورات المستقبلية برمتها.
شخصيًا، لست ضد الاتفاق وما تمخض عنه، لكن طريقة تنفيذه مهينة للغاية، وآليته لم تكن مرضية، فكيف لاتفاق ظل في مهب الريح لمدة عام، ورعاته لم يستطيعوا إقناع طرفيه للبدء بالتنفيذ، كيف له أن يكون مرجعية لحل جامع، برأيي هو مجرد كبسولة لتسكين الألم، وتهدئة الفوضى، وتهيئة الأجواء لجولات أخرى من اللا استقرار في اليمن.
تحظى الحكومة الشرعية بدعم كامل من الحكومة السعودية، ويحظى المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم مشابه من الحكومة الإماراتية، والحكومتان شريكتان في تحالف يزعم دعم الحكومة الشرعية لاستعادة سيطرتها وإدارتها على الأرض، ويدعمان فصائل ومكونات أخرى للوقوف في وجهها، وعرقلة جهود تطبيع الحياة في ما تُعرف بالمحافظات المحررة، كيف لنا كيمنيين أن نثق بشركاء لا يبدون رغبة حقيقية في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وسعوا جاهدين لضمان خلق أحداث تفتح الباب لأزمات جديدة، وتديم حالة الصراع الدائرة لسنوات قادمة.
لا أدري تحت أي ظل ستعمل حكومة معين عبدالملك؟ في أي إطار؟ من سيوجهها؟ وأين ستعمل؟
لدينا أسبوع للبدء في الحصول على إجابات للأسئلة المطروحة، ولننتظر...
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
مبعوث السلام المستحيل
لا للوصاية