على أنه من المفترض أن يكبر مستوى تفكير الإنسان، وسعة صدره وسماحته، كلما توسعت ثقافته، وأن الحداثة والتنوير والتقدم، مفاهيم يجب أن تنعكس على المستوى العملي في أصحابها، وأن يكونوا قدوات، قادرين على فهم طبيعة مجتمعاتهم، غير متعالين على واقعهم، ولا منفصلين بالكلية عنه، لكن النتائج بالغالب لا تفضي إلى ذلك..!!
 
 ذلك أن بعضاً ممن يزعم أنه من النخبة المثقفة، أو عدداً لا بأس به منهم، ما زالوا غير قادرين على الاستفادة من الأفكار الوافدة دون أن يتلبسوها بالكلية، ويعتنقوها كما لو كانوا من نفس المجتمعات والعقائد والعادات والسلوكيات والخصوصيات لمؤلفي تلك النظريات.
 
المواقف الحادة من الخطاب الديني، ومن الوعظ، عادةً ما يكون مصدرها من أدعياء الثقافة والحداثة والتقدم. والمضحك بحق أن لهؤلاء لسان سليط على المتدين الإسلامي والواعظ المسلم، والاستشهادات بالنصوص الإسلامية لا توافق مزاج هذه الفئة، ولو كانت نفس المواقف تصدر عن أتباع أي ديانة أخرى لوصفوا خطابها بالتنوع والتعايش، وأضفوا على أصحاب تلك الخطابات ألقاب المجد والحكمة والعبقرية.
 
لم يسلم أصحاب الخطاب الملتزم من الهمز واللمز والتحريض من أدعياء الثقافة والتقدم. وقديماً قيل "قَتَلَ الإنسانَ الحسدُ". وهؤلاء ممن قتلهم الحسد، لأن بضاعتهم كاسدة وليس لها رواج في مجتمعات الشرق المسلم.
 
 ولا شك أن جميعنا شاهد الهجوم الذي تعرض له الشاب المهندس فداء الدين يحيى. "فداء" الذي هندس خطاباً دينياً ملتزماً بطريقة مختلفة وهادئة، وبكلمات بسيطة تلامس القلب، وتنسجم مع تجليات الأرواح النقية، وحاول أن يصنع وعياً يحتاجه المجتمع بشدة، خصوصاً في سنين الحرب التي تغيرت فيها كثير من ملامح التربية والتعليم لدى كثير من أبناء الجيل الذي دهسته الحرب، وداست على أدوات التنشئة السليمة التي تتوافر بالضرورة في كل مجتمع مستقر.
 
"فداء" شاب يمني درس الجامعة في كوالالمبور، وانتقل إلى المانيا لإتمام الدراسات العليا في تخصص "هندسة تحكم آلي وأتمتة"، وهو حاصل على الدرجة الكاملة. وهذا الشاب المهندس يحمل فكراً نيراً، وذهنية متقدة وتجارب وخبرات ناتجة عن سنوات قضاها في بلدان متقدمة. ولمجرد أنه بدأ مساراً إعلامياً هادفاً يحمل من خلاله رسائل وقيّم وأخلاقيات، هاجمه بعضٌ من الحداثيين دون حجج تستقيم من خلالها انتقاداتهم، ولا تفنيد وتفكيك علمي ومنهجي لما يقدمه كي نقول على الأقل أن هناك اختلافات في وجهات النظر، بل كانت الهجمات عبارة عن دخول مباشر في النوايا، وتعريض وتحريض، واتهامات جاهزة مغلفة، ينسخها أصحابها ويلصقونها بأي شخصية متدينة دون مراعاة اختلاف الشخوص والأمزجة والأساليب والواقع والوقائع.
 
والمشكلة أن منصات السوشيال ميديا اليمنية تحوّلت، في كثير من حالاتها، إلى مجموعة متتالية من الترندات التي تعكس ضحالة فكر كثير من رواد هذه المنصات، ويتضح ذلك جلياً أيضاً في نوعية من المشاهير الذين تمكنوا من تصدّر هذه المواقع. والحقيقة أن هذه النوعية من المشاهير ساهموا في عكس صور أخرى من الركاكة والفوضى والسطحية، إلى جانب تلك الصور النمطية عن الواقع اليمني، والتي تشكلت نتيجة لجملة من الأسباب.
 
 وإزاء هذه الظاهرة العقيمة، انبرى البعض لمهاجمة أصحاب المحتويات الصاعدة والمفيدة، بدلاً من الإشادة بالجهود التي يبذلونها، والمساعي الحميدة المتمثلة في إشعال شموع من المعرفة، والتذكير والتنوير الحقيقي، في ظل واقع معتم ومظلم.