في عالم متقلب، تحكمه المصالح لا المبادئ؛ لن يكون مستغربا أن تجد السعودية طريقا للتقارب مع الحوثيين، ملقية بورقة الشرعية في سلة المهملات، بعد أن استخدمتها لسنوات في شرعنة تدخلها في اليمن ومصادرة السيادة، رفقة الإمارات، التي أصبحت تلتقي مع الحوثيين في ضرورة الخلاص من التيارات الإسلامية السياسية السنّية- الهم الأكبر لسلطات أبوظبي منذ قرابة عشر سنوات.
قبل خمس سنوات من الآن، كان من المستبعد أن يجري الحديث عن إعادة تأهيل النظام السوري عربيا بعد كل الجرائم التي اقترفها. تماما مثلما كان مستبعدا أن تقرر تركيا أردوغان التقرب من سلطة الانقلاب العسكري في مصر والدول الخليجية الداعمة لها، بعد أن كانت أنقرة قِبلَة الثوريين والاسلاميين الذين اضطرتهم الثورات المضادة لترك بلدانهم والذهاب إلى تركيا ليصدحوا بأصواتهم من هناك. وإذا كانت سياسة المصالح طغت على المبادئ، وتغيرت مواقف وسياسات دول، فما الذي يمنع الخارج من التقارب مع الحوثيين على حساب اليمنيين تحقيقا لمصلحة متبادلة بين الطرفين؟!
يُضلِل الساسة اليمنيون مواطنيهم عندما يجعلون من "الشرعية" قضية مقدسة، لن يكون بمقدور أحد تجاوزها أو المساس بها. وهذا الكلام غير صحيح. إذ أن بقاء الشرعية أصبح مرهونا بمدى استفادة الأطراف الخارجية منها، وتحقيقها لمصالحها؛ ولن تجد من يقف معها إذا وجد الخارج بديلا عنها يحقق مصالحه بدرجة أكبر؛ أو إذا استفاقت ضمائر شخوص هذه الشرعية، وأصبحوا عقبة أمام مخططات الخارج.
عندما اقتضت المصلحة السياسية، للسعودية والإمارات، الخلاص من التيار السياسي الإسلامي في اليمن، لم تجد الدولتان من يقوم بهذا الدور أفضل من الحوثيين، الذين وجدوا في هذا التآمر النفعي فرصة تاريخية للسيطرة والحكم، لم يكونوا يحلمون بها حتى في خيالهم. وعندما اختلفت مصلحة الطرفين فيما بعد، لم تجد السعودية أفضل من التيار السياسي الإسلامي لمساندة تدخلها العسكري في اليمن والدفاع عن حدودها أمام زحف أصدقاء الأمس. وطالما بقيت المصلحة هي المحرك الأساسي للموقف السعودي تجاه اليمن، فلن يعرف- في الغد- من سيكون العدو، وكذا الصديق..!!
إننا نعيش في منطقة محكومة بالميكافيللية السياسية، وإن طغت في الظاهر مسميات الجوار والعروبة والأخوة والتاريخ المشترك. فهذه ليست سوى استمرار لخطاب تقليدي رمزي لم يعد موجودا في اللحظة الراهنة. ولو كان هذا الخطاب حيا، لما تمكن الحوثيون من الانقلاب وابتلاع الدولة؛ ولما احتاج الشعب أساسا إلى مجابهتهم والتصدي لهم في أكثر من منطقة يمنية..!!
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية