قبل أشهر، قرأت بدافع الفضول مذكرات القيادي في الطليعة المقاتلة في سوريا أيمن الشربجي، ووجدتني قد تجاوزت الفضول إلى التهام صفحات الكتاب في غضون أيام قلائل.
الكتاب يوثق لعمليات عسكرية، شنها فرع الطليعة المقاتلة في دمشق، الذي كان الشربجي يقوده، وهذه العمليات التي نفذها عدد محدود من الأفراد وفي أماكن محدودة، أقضّت مضاجع حكام دمشق لأكثر من عقد من الزمن، واستطاعت الطليعة من خلال العمل السري المسلح الذي اتبع أسلوب الكر والفر توجيه ضربات دقيقة وموجعة للنظام في دمشق، كادت إحداها أن تودي بحياة الطاغية حافظ الأسد لولا تدخل حارسه الشخصي لتلقي الرصاص نيابة عنه.
عند انتهائي من قراءة الكتاب، طرأت عدة أسئلة في ذهني: لماذا لا يستفيد اليمنيون من هذه التجربة في مقارعة العصابة الحوثية في معاقلها، بدل انتظار دخول الجيش لتحرير هذه المعاقل؟ وما الذي يمنع استغلال طاقات الغضب في عمل مدروس يخوض هذه التجربة بما يناسب الحالة اليمنية؟ لماذا لا يتم الإفادة من التجارب العسكرية للآخرين وتوظيفها في ردع العدوان الحوثي وإشغاله من الداخل؟
إن هذا الأسلوب الذي يعتمد على مباغتة العدو بضربات موجعة ثم الاختفاء في قواعد آمنة، لنحن أحوج ما نكون إليه في معركة مع عصابة سلالية اختطفت البلد منذ قرابة ست سنوات ونصف، خاصة إذا نظرنا إلى ما يحيط بهذه المعركة من تآمر الحلفاء، وتقييد يد الجيش ومنع تسليحه التسليح الكافي لحسم المعركة.
قد تبدو هذه الدعوة ضربا من اللاعقلانية، لكنها أصبحت ضرورة في ظل انسداد الأفق، لحفظ ما تبقى من عقيدة المواطنين وثقافتهم التي باتت مهددة بالاضمحلال مع تصاعد المد الفكري الصفوي، وتهديد عقول ملايين الأطفال الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين، ويجري الآن إعدادهم لخدمة المشروع الإيراني في السنوات والعقود القادمة.
لقد طال طغيان العصابة الحوثية أغلبية اليمنيين، بما يتجاوز طاقاتهم في الصبر وتحمل الأذى، وإذا كانت تجربة الصدام العسكري المباشر في مناطق الحوثيين، قد آلت إلى الفشل بسبب انعدام تكافؤ الطرفين، فإن تكرار هذه التجارب لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، بقدر ما ينجم عنها من عواقب كارثية لاتقف عند سفك الدم وانتهاك الحرمات ونهب الممتلكات، ولذا من المهم أن يفكر المواطنون في مناطق الميليشيا الحوثية بطريقة تجنبهم الصدام العسكري تمهد لهم طريق الخلاص في نفس الوقت.
لست خبيرا عسكريا حتى أخوض في التنظير العسكري، لكنني أحسب أن أسلوب العمل المسلح المنظم الذي يعتمد على الكر والفر، سيساهم في خلخلة بنية الهيكل الحوثي من الداخل، وسيسرع من عملية الحسم العسكري مستقبلا، والأهم من ذلك أنه سيشكل عاملا رادعا للحوثيين عن جرائمهم بحق المواطنين وسيدفعهم للتفرغ لمواجهة شبح جديد ينقض عليهم فجأة ثم يختفي.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية