في الأسابيع الأخيرة، صعّد الحوثيون هجماتهم على مأرب، بحثا عن نصر يرجح كفتهم في تسوية سياسية محتملة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم، انتكسوا في مأرب ابتداء ودفعوا كلفة بشرية كبيرة، ثم انتكسوا في تعز، وخسروا مساحات واسعة من الأرض.
اعتقد الحوثيون، أن استخدام أسلوب الموجات البشرية الذي استخدمته إيران في حربها مع العراق في الثمانينيات، سيحقق لهم دخول مأرب والسيطرة على الخزان النفطي الأكبر في البلاد، لكنهم حصلوا على نفس النتيجة التي حصلت عليها إيران قبل نحو ثلاثة عقود؛ كلفة بشرية باهظة، وأسرى كُثر.
أما في تعز، ففوجئت العصابة الحوثية، بهجوم موسع للجيش، ولم يكن أمامها بد من الهروب والتراجع، طلبا للنجاة، تاركة خلفها عتادا عسكريا، هو ملك للجيش أساسا، وقد عاد إلى حيث يجب أن يعود.
ما أثبتته المعارك الجارية في جبهات مأرب وتعز، هو أن عصابة الحوثي هشّة في هيكلها، رغم ما تملكه من قدرات عسكرية متطورة، لكنها تستفيد في إطالة عمرها من الدعم الغربي المعلن وغير المعلن، ومن صراعات المشاريع السياسية الخارجية في المنطقة المحررة، ومن فقدان الحكومة اليمنية للقرار السيادي.
أثبتت هذه المعارك أيضا، أن السبب الأساسي وراء انتصارات الجيش في تعز ومأرب، وجود إرادة عسكرية وإسناد شعبي استنفرت فيهما كل الطاقات الكامنة، إذ حظيت المعركة بإسناد شعبي غير مسبوق، يعكس رغبة حقيقية بالخلاص من المشروع الحوثي، وهذا الرصيد يجب الحفاظ والاتكاء عليه، وعدم التفريط به، من خلال تعزيز حضور الدولة، وإزاحة كل ما يغبش الصورة العسكرية مستقبلاً، من أي ممارسات محتملة لمحسوبين على المؤسسة العسكرية داخل المناطق المحررة.
البعد الأهم في المعركة الجارية، في مأرب وتعز وفي جبهات اليمن بشكل عام، هو أن هذه المعركة لا تخص اليمنيين وحدهم، بل يمتد أثرها على الخريطة السياسية الإسلامية وليس العربية فحسب، بالنظر إلى ما تمثله هذه المعركة من خط دفاع أول عن مكة المكرمة والمدينة المنورة، المدينتان اللتان تحظيان بقدسية في العالم الإسلامي، وتشكلان وجهة استراتيجية للمشروع الإيراني، وهو ما ذكره قيادي حوثي في مهرجان شعبي، قبل أسابيع.
كما أن الانتكاسة التي يتعرض لها الحوثيون في تعز ومأرب، هي انتكاسة للمشروع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، ومشاريع أخرى تعمل جاهدة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة الإسلامية والعربية على وجه الخصوص.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية