نحيي كيمنيين الذكرى الثالثة والخمسين ليوم الجلاء، وهو اليوم الذي غادر فيه آخر جندي بريطاني عدن، بعد سلسلة مواجهات عسكرية مثيرة مع ثوار أكتوبر عام 1963، قرر بعدها البريطانيون ألا مكان لهم في اليمن، وأن موعد المغادرة قد حان، وهو ما كان في الثلاثين من نوفمبر عام 1967.
وضع مختلف يعيشه اليمنيون في ظل هذه الذكرى، إذ تأتي وهم تحت سطوة محتلين جدد، تعددت مآربهم، وتضاربت مصالحهم في اليمن، واتفقوا جميعًا على أن تبدو بهذه الصورة الباهتة بعد ثلاث وخمسين سنة من جلاء المستعمر البريطاني، وإرغامه على المغادرة دون رجعة.
نبدو وحيدين وسط هذا المعترك، تحيط بنا حسرة ضياع العديد من الفرص التي صنعتها لنا الثورات الشعبية، ومحاولات التصحيح، وكل الإمكانيات التي بُني عليها مسار تصحيحي كان بإمكان ذوي القرار أن يحققوا شيئًا ما نضمن به صورة إيجابية لليمن، ووضعًا مقبولًا لأبنائه، الذين يدفعون ثمن شجاعتهم وقيامهم بثورات الرفض للإمامة الكهنوتية، والاستعمار الأجنبي، والنظام الاستعلائي المستبد، وحتى هذه المرحلة، التي يواجه فيها اليمنيون أصحاب النفوذ الداخلي المرتهنين لأطماع إقليمية ودولية.
لدينا اليوم محتلون جدد، ومستعمرون أشد وقعًا من الاستعمار البريطاني الذي أخذ قرنًا من الزمن ولم يستطع أن يوقع بنا ما أوقعه المستعمرون الجدد، فقد أودوا باليمن إلى مستنقع الفوضى التي لا نهاية لها، وحرصوا على صنع واقع يلاءم ما يريدونه هم، واستماتوا لإيصال اليمن إلى مرحلة اللا عودة، وبما يصب في تقديمها للعالم كدولة اتكالية فاشلة لا تملك شيئًا يمكن أن تبني عليه توجهها المستقبلي، ودون شك اختاروا لذلك أعوانًا محليين ينفذون ما يريدونه منهم بعناية فائقة، دون اعتبار لتاريخ البلد وكرامة أبنائه.
إن إحياء هذه المناسبات الوطنية، وما يصاحبها من زخم شعبي يجب استيعابه كدرس وطني يؤكد مضي هذا الشعب قدمًا حتى يحقق أهدافه الكاملة وأولها دولة تضمن حقوق الجميع وتستوعب تطلعاتهم، دولة لا مكان فيها للأدعياء المزيفين، من أوصلونا إلى الحضيض، وصنعوا واقعًا يخصهم، ضمنوا فيه مراحل من الاسترزاق على حساب أنين الناس ومعاناتهم.
من يستوعب هذا الدرس الوطني، ويعمل وفق أسسه، هو من سيحظى بالتفاف شعبي، لا من يدعي ذلكن ثم ما يلبث أن يبيع التطلعات الشعبية عند أول عرض، فالسعودية بجلالة قدرها، وبحنكتها الإقليمية المعهودة اتضح ما تقوم به في اليمن، فحساباتها تقتضي إقحام اليمن في أتون صراع لا نهاية له، خصوصًا بعد اليقظة الشبابية والشعبية بعيد 2011، ولولاها لما كانت الإمارات قد أنتجت لها زمرًا من الأنصار المدججين بكافة الأسلحة، وسيطرت بذلك على مجمل الموانئ والمناطق الاستراتيجية في البلاد، ولا تستثنى غيران من الأطماع الإيرانية التي استدعت المذهبية والسلالية والمناطقية، وكرست ذلك في إطار يستهدف الأمن القومي اليمني، وعمدت إلى ترسيخ الحضور المليشاوي المذهبي المتمثل في الحوثيين، وقدمتهم كبديل قسري للدولة ومؤسساتها، رغم سماجة معتقدهم، وهويتهم القاصرة.
لن يمد الشعب يده لمن يبيع ويشتري به، لن يعطي عهده لاي كيان مرتهن لقوى إقليمية ذات أيدلوجيا استعمارية، ومطامع على حساب اليمن واليمنيين، لن يرتضي أن تذهب تضحياته هباءً، لن يصدّق على أن تكون سلسلة ثوراته وهبّاته التصحيحية بمثابة ذكريات وحسب، كما هي اليوم، لن يقبل، وهذا عهده في يوم الجلاء: أن لا مكان للمستعمرين والطامعين، ولن ترى الدنيا على أرضي وصيا.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل