البشر ليسوا متشابهين، لن تجد أبدًا اثنين يفكران بنفس الطريقة ومهما اتفق اثنان على أمر ما أو عدة أمور لا بد أن تجد اختلافًا في نقطة ما، هذا يسري على كل الجوانب، وهو ما يعني وجوبية حضور الأدب في اختلافنا، بحيث لا نخرج عن دائرة القيم الفطرية الجمعاء، وننزلق في متاهات التحشيد، وصناعة آراء مضادة، بما يزيد من حدة الاختلاف وإقحام المجتمع بشرائحه في أتون صراع هم في غنى عنه.
نملك إرثًا يستحق أن نزهو به لآلاف السنين، وثقافة وهوية مميزة من بين دول العالمين، ونستطيع أن نصنع لأنفسنا حضورًا يليق بنا، لا كتلك التي يحاول كثيرون تسويقها من باب التفاهة والاستهتار، وخلق معارك جانبية لا نستحقها كيمنيين، ولا يستحقها وطننا كبلد ضارب في عمق التاريخ.
لا أجد تفسيرًا للحضور الشعبوي الطاغي على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة اليوتيوب، وإن كان يحمل وجهًا إيجابيًا يكرّس لمرحلة لا بد فيها من استيعاب الجميع بعيدًا عن الخطاب المعقّد الذي يستهدف نخبًا بعينها، ويقدّم درجات من التظاهر اللا منطقي في أمور كهذا، لكنه مؤسف أن يطغى الخطاب الشعبوي بصورته الجدلية، والتي لا يُبنى عليها شيء سوى المزيد من حالة الاستقطاب، والمزيد من تشتيت الناس عن قضايا وطنية جوهرية يجب التركيز عليها في الوقت الراهن على الأقل، ولا يمكنني أن أسحب من توقعي تبعية كل اتجاه لطرف من الأطراف يستخدمه في أتون الصراع الذي طال كل شيء في الوطن، ولهذا أبعاده التي لا يمكن تجاهلها، تمامًا كما يجري على المستوى السياسي والاقتصادي، فإن التجاذبات الحاصلة في العالم الافتراضي تكرّس لصراع اجتماعي وثقافي مستفيض، يزيد الوضع بؤسًا وسوءًا.
ما الذي يستفيده مصطفى المومري من مخاطبة الجميع بكل هذه البلاهة؟ لا احترام في خطابه لأحد، ولا يملك ذرة فقه بالواقع، ويشجع الكثير من الممارسات الخاطئة التي تتنافى مع المثل اليمنية وعادات المجتمع وتقاليده الجامعة، يُضاف إليه أولئك الذين يستخدمون يافطات عريضة للدفاع عن الحريات والمعتقدات وهم أكثر من يمارس الاستبداد والتسلط، ويتعصبون لآرائهم دون انفتاح على التطورات الحاصلة اليوم، فقط يؤدون أدورًا مرسومة بعناية فائقة، تهدف لصناعة حالة من الفوضى الاجتماعية والثقافية.. هل كنّا بحاجة لمثل هؤلاء بأن يكونوا لسان حال اليمن؟ هذا مؤلم!
التراشق الافتراضي له مناصروه، لكنه يبعث برسائل سلبية في وقت حرج كالذي نحن فيه، فاختلافنا الواقعي كاف لأن نعيش في ألم وحسرة، لا نزيد أن ننغص عالمنا الافتراضي بالشحناء والبغضاء، ونصدر الفوضى الواقعية في عالم حلي به أن يكون للترفيه والتسلية، لا التراشق وصناعة الفجوات.
إن التحلي بأدب الخلاف يقدم صورة إيجابية عن اليمنيين، عن الشعب الطيب، الشعب الذي احتمل كل شيء من أجل الحفاظ على قيمه ومثله العليا، حتى وإن حاولت المليشيا المذهبية والطبقية تعكير مزاجه العام لكنه صامد في وجهها، ويواجه دعوات التشرذم بصرامة وحزم، محافظًا على كل جمالياته التي يبني عليها توجهاته، بما في ذلك فن الاختلاف بأدب، لا كما يحاول البعض أن يصدره بكثير من الضوضاء والغوغاء والسياقات الخارجة عن الإجماع العام، فهؤلاء دخيلون، يعبّرون عن أطرهم وتوجهاتهم الخاصة، ويمثلون من يدفعون بهم؛ لتقزيم صورة اليمن، ولتحقيق مآرب تخدم توجهاتهم الراهنة، فليسوا منا في شيء، ولا نرتضيهم.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل