هل يعتقد المسؤولون الذين يعيشون حياة رغيدة في السعودية أنهم يمثلون الشعب الذي يقتات البؤس في الداخل؟ السؤال الأهم من هذا: هل يعتقد الشعب أن هؤلاء يمثلونه ويثق بقدرتهم على إيجاد حل لجحيمه؟ باعتقادي أن أغلبية الشعب لم تعد تثق بهؤلاء، على أن قرار الشعب أيا كان لا قيمة له بالأساس، بعد مصادرته أواخر العام 2011.
هكذا بدأت اللعبة. الشعب الذي خرج ثائرا يتحسس طريق الحرية في اختيار الحاكم الذي يريد، مُنع من إكمال الطريق، وفُرض عليه حاكما عسكريا كان ومازال جزءا من منظومة الحكم التي ثار عليها الشعب. رقصت الأحزاب السياسية، فرحا بنجاح ”ثورة الشعب“ خاصتها، ورقص النظام بنجاحه في فرض خياراته، أما ثورة الشعب التي اتكأت على دعم الأحزاب السياسية، رهن مصيرها بمصير الداعم، وغدت دماؤها الغزيرة، مدادا لاتفاق ”تاريخي“ لتقاسم السلطة.
إن ما يحدث اليوم من تجاهل تام لمعاناة المواطنين، لا يمكن فصله أبدا، عن تلك اللحظة التي وقع فيها اتفاق وصاية خليجية رعته السعودية. القرار السيادي الذي خرج الملايين للمطالبة باستقلاله، صودر في الوقت الذي اقترب فيه كثيرا من نيل الاستقلال!
إن ثمة حقيقة مريرة يجب الاعتراف بها، هي أن الشعب لا يملك قراره، ولا قيمة لصوته، ذلك أن اللعبة السياسية التي رسمها لنا الخليج في نوفمبر 2011 ألغت قرار الشعب كلية، واستبدلته بالتوافق السياسي والوصاية الخارجية. هذه الحقيقة يجب الاعتراف بها بعيدا عن الخطابات الرسمية والنخبوية التي تسوّق الشعب على أنه صاحب القرار، في محاولة لدفع الشعب للرضوخ والاستكانة، والهروب من المسؤولية ليتحملها الشعب وحده؛ إذ طالما الشعب هو من يحكم وهو من يملك القرار فهو إذن من يجب أن يتحمل المسؤولية.
ما أنتجته المبادرة الخليجية من مأساة ثقيلة، كان يمكن أن تشكّل درسا قاسيا للمسؤولين والنخبة السياسية، لمنع تكرار الاتفاقيات الملغّمة، وهذا لو كان الذين يديرون البلد ويشكلون شخوصه السياسية، رجال مبادئ لا دمى بشرية تتنازعها رياح السياسة الخليجية.
ما الذي تملكه السلطة الحاكمة حتى تستمر في استخدام الشعب لتسويق قراراتها وتصرفاتها؟ الرئيس الدمية الذي لا يجرؤ على مخاطبة الشعب بصوته ويحدثهم من وراء حجاب، أم بقية الدمى التي صُنعت لتؤدي أدوارا رسمت لها للحفاظ على قواعد اللعبة السياسية التي فُرضت على الشعب.
إن المأساة الحقيقية تكمن في أن الذين صادروا قرار الشعب، أباحوا لأنفسهم احتكار هذا القرار بدعوى أنهم يمثلونه، قبل أن يستخدموه كغطاء سياسي وإعلامي، لتمرير سياسات تضر بمصلحة الشعب ومستقبل الأجيال القادمة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية