لا يتعلم الحوثيون من دروس المواجهات العسكرية المستمرة على امتداد البلاد، وقد خسروا عشرات الآلاف من مقاتليهم دون اكتراث يُذكر، فهؤلاء بالنسبة لهم تابعون يجب عليهم أن يخوضوا غمار مغامراتهم السلالية دون نقاش، فالسر المقدس المدفوع بدعوى الحق الإلهي والتمييز السلالي، يحتم على ضحاياهم الانخراط دون سابق إنذار، هذا ما دأب الحوثيون عليه منذ بداية رحلتهم السوداء خلال الحرب الأولى، وما تلاها من حروب صعدة الستة، وصولًا إلى انقلاب سبتمبر 2014.
يدعون أنهم يملكون كل شيء، وأن هذا يمنحهم الأفضلية للاستمتاع بكل مقومات الحياة دونا عن الآخرين، وتلك لغة كرستها الإمامة خلال حكمها الكهنوتي، إذ لا مجال سوى للخطاب الاستعلائي، والنظرة الدونية، والتعامل الإقصائي، والبنية المجتمعية المفصلة وفق معتقداتهم التفضيلية لا أكثر، وهو ما تعاملوا به مع كل اليمنيين، منذ اجتياح صنعاء، وما ترتب على ذلك من حرب عبثية على امتداد الخارطة اليمنية.
صنع الحوثيون لأنفسهم هالة حامية، وتقوقعوا خلفها، باثين سمومهم المذهبية، وتوجهاتهم العقائدية المفرطة في الأصولية والتشدد، وعمدوا إلى استيراد أفكار لا وجود لها في عمق المجتمع اليمني المستند على قيم مشتركة جامعة، وقيم مجتمعنا لا علاقة لها بدوافع ومزاعم المليشيا الحوثية وما تريد أن تصل إليه بما تفتعله اليوم على كافة المستويات.
تكرس الجماعة الحوثية حضورها على حساب الابتزاز بأنواعه، ولا يمكننا تجنيب الابتزاز الفكري من آلة الاستهداف الحوثي، عبر كافة وسائلها المتاحة، الإعلامية والافتراضية والميدانية وحتى المناهج الدراسية والجامعية، كلها تصب في مصب واحد يقدم الحوثيين كجماعة ذات صدارة ولها الحق في كل ما تنتهجه، وليست محاسبة على ما ترتكبه في حق اليمنيين، تحت مبرر الامتياز الإلهي، والحق القدسي في الحكم والسيطرة.
نحن أمام مرحلة دقيقة، تحتاج أن نكون معًا، لا ننتمي إلا لليمن، بجوهرها الحقيقي، وتاريخها العتيق، بكل ما حوته من جوامع جامعة، إذ لا مكان في اليمن الجمهوري للفقاعات والشعارات الابتزازية، والحشود التي تجمع قسرًا على وجهها لتستخدم في سياق مهاترات سياسية وادعاءات مذهبية ما أنزل الله بها من سلطان، تمامًا كما فعل الحوثيون في ذكرى المولد النبوي، حين أحالوا المناسبة إلى حق حصري، باعوا واشتروا بها، وصنعوا منها أسطورة للابتزاز، باسم الاحتفال بالمولد، ولم يمتنعوا عن بث سمومهم وأفكارهم الجنونية، في إطار المناسبة التي تلقى تعاطفًا شعبيًا لأسباب دينية لا علاقة لها مع ما يتبناه الحوثيون ويدعونه.
من حقنا كيمنيين أن نعيش بعيدًا عن هذه المتاهات المصطنعة، والخزعبلات التي تزيدنا آلامًا ومعاناة إلى ما نحن عليه، علينا أن نتحلى بالواقعية والإدراك المنطقي لمحيطنا ووقائعه ومستجداته، لا أن نكون مع الجماعات السلالية والمذهبية والمناطقية بأفكارها النزغة، البعيدة كليًا عن الجوامع الوطنية، والمشتركات الاجتماعية، وحتى القيم الإسلامية التي يدّعون أنهم يمثلونها ويستندون عليها في كل ما يفعلونه.
مجتمعنا يستحق أن نعيد له ابتسامته المصادرة، أن يسترجع قواه وتلاحمه ووحدته التي انتهكتها الحرب وجنبتها لتفرض أطرًا معينة محشوة بإرادة حصرية من قبل النزوات السلالية والمذهبية، لا أصل لها ولا سند، لا دينيًا ولا يمنيا.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل