من غير المنطقي أن يعيش اللون الأخضر حالة الامتهان هذه وهو لون الحياة؛ تستخدمه جماعة عصبوية لا تعترف بحق الآخرين في الحياة، وتبني تطلعاتها وحيثياتها على إقصائهم، والتنكيل بهم، ثم لا تترك مناسبة دون أن ترفع فيها رايتها الخضراء المزركشة بشعارات جوفاء لا أساس لها من الواقعية سوى أنها تستخدم للتزييف والضحك على العامة.
عاش اليمنيون أسبوعين من الضغط، تحت مسمى "المولد النبوي"، الذي شكلته الجماعة الحوثية وبلورته وقولوبته بما يتماشى مع أطرها، وعمدت إلى فرضه كمناسبة دينية وطنية، لا تمر دون هذا الصخب المصطنع، الذي يبدو في ظاهره احتفالًا دينيًا، وفي حقيقته له أبعاد أخرى، ذاق الناس ويلاتها منذ البداية.
مجهود حربي قسري، إتاوات تحت مسميات عدة، بدل تدهين الشوارع باللون الأخضر، اللون الذي لا يطيقه اليمنيون؛ بفعل جرائم الحوثيين، وتراكماتهم التي لم تترك أحدًا في حاله، وزادوا على ذلك أن فصلوا المناسبة على أنفسهم تفصيلًا دقيقًا، وأعلنوها يومًا وطنيًا في إطار ديني يحمل النزعة المذهبية وسط تداخل مفزع بين الاحتفال والمغزى منه، وما سيترتب عليه، ولعل الحشد الجنوني القسري في سبعين صنعاء أوضح كل شيء، وبيّن ما يريدون أن يقولوه للعالم عبر هذه المناسبة التي يحتفل بها بعض اليمنيين كعرف تقليدي وبشكل مبسط، بعيدًا عن اللون الأخضر، والبهرجة الشكلية المقززة.
يعتمد الحوثيون وأدواتهم العقائدية والمدبرة على اصطناع مناسبات تدر عليهم أموالًا طائلة، تحت مسميات النصرة والتحشيد، وبدخل لم يكن في حسبانهم بنوا عليه هذه المناسبات بعد تجريبهم لها، واستخدامهم القوة لتنفيذ ما يريدونه، وقد شاهدنا قصص كثيرة في هذا الاتجاه، ورصد الحقوقيون العديد من الانتهاكات المرتبطة باحتفال المولد النبوي تجاه العديد ممن رفضوا الدفع ولم يمدوا أياديهم للون الأخضر!
إن الحالة الفوضوية التي تكرسها مليشيا الحوثي لا تستثني الشارع أبدًا من جوهرها الاعتباري، فالمدن التي لا تخضع لها تقصف ويقتل من فيها ويفرض عليها الحصار وتقود ضدها حربًا اقتصادية مفتوحة، والمدن الخاضعة لها تقودها بهذه الفوضى الكامنة في كل تفاصيلها، وتجعل منها مجرد مدن خضراء تابعة لها كليًا، إذ لا صوت يعلو على صوتها ولا لون سوى الأخضر.
يصور الحوثيون أنفسهم كأحفاد للنبي الكريم محمد (ص)، وكل ما يرتكبونه تؤكد أنهم لا علاقة لهم بالرسالة المحمدية لا من قريب ولا من بعيد، وبأنهم كعادتهم امتطوا هذه الشائعات التي بثوها، وشرعنوا لأنفسهم الحق المقدس في الحكم؛ لأن دمهم أصفر، ولأن صوتهم فيه بصمة خاصة بهم، ولأنهم لم يأتوا كما أتينا جميعًا، بل أمطرتهم السماء لتطهير الأرض من رجس الآدميين، وهكذا اتجهوا لاجتياح المدن واحدة تلو الأخرى، وفجروا المنازل، وانتهجوا سياسة التنكيل لتحقيق مآربهم، ضمن ما أطلقوا عليه بالمسيرة القرآنية.
لا نقبل كيمنيين أن نكون جسر عبور لهذه المشاريع الدينية ذات الفكر الأناني الضيّق، ولن نكون ذات يوم في سرداب المناسبات الدينية المفتعلة للابتزاز والإتاوات الجهوية، ولن نعترف باللون الأخضر لونًا للحياة، ما دامت جماعة مليشاوية تعكر حياتنا به كل عام!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل