الحرب التي أعلنها الرئيس الفرنسي ماكرون على الإسلام، وقرر من خلالها التضييق على مسلمي فرنسا تحت شعار ”مكافحة الانعزالية الإسلامية“ وتأييد الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، تحت ذريعة”حرية التعبير“، هذه الحرب ليست بمعزل عن الحرب الشرسة التي تخوضها أنظمة عالمية وعربية ضد الإسلام.
إن فرنسا التي تتباهى بحرية التعبير، واستخدمتها للإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، هي نفسها فرنسا التي ضاقت ذرعا بتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي شكك فيها بقدرات ماكرون العقلية، فاستدعت سفيرها لدى أنقرة.
فرنسا التي قتلت 7 ملايين مسلم جزائري ولم تبد ندمها على المذبحة، هي نفسها فرنسا التي أصدرت قانون جيسو عام 1990 الذي ينص في إحدى مواده على تجريم كل من يشكك في أرقام ضحايا ما يسمى ”المحرقة اليهودية“ وكان المفكر الفرنسي روجيه جارودي أحد الذين حوكموا بموجب هذا القانون.
إن القانون الفرنسي الذي يحمي عقيدة ما وأتباعها، ويشكل غطاء للاعتداء على عقيدة أخرى وأتباعها، إنما هو قانون ينطلق من روح عقائدية مشبعة بالكراهية، مهما زعم أرباب هذا القانون أن فرنسا تتبع نظاما علمانيا يتخذ موقفا حياديا من جميع العقائد، والواقع يثبت أن الروح الصليبية مازالت هي المحرك للسياسة الخارجية لفرنسا وغيرها من الدول الغربية فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين.
إن الغرب يطلب من المسلمين اليوم، أن يكونوا أكثر اعتدالا وتسامحا مع من يتطاول على عقيدتهم، ويشتم نبيهم، ويزهق أرواحهم، ويجيّش لذلك آلة إعلامية وفكرية للإيحاء بأن القضية لن تعدو كونها قضية فكرية قابلة للأخذ والرد ضمن حرية التعبير وتبادل الآراء، في حين القضية في صميمها قضية عقيدة لم ينل منها الأعداء مثل ما نالوا منها في وقتنا الراهن، بسبب حالة التشرذم المخيمة على العالم الإسلامي.
مؤخرا، أُطلقت حملة شعبية في منصات التواصل لمقاطعة الشركات والمنتجات الفرنسية، وهذه الحملة تبقى خيارا مهما بالنسبة لشعوب لا تملك القدرة للقيام بما هو أبعد من ذلك، وتحكمها أنظمة غربية بعضها رضعت من ثدي فرنسا، لكن المثير للدهشة أن هذه الحملة تتزامن مع حملة إعلامية خليجية لمقاطعة المنتجات التركية، وبينما يتجاهل الإعلام الخليجي الحملة الأولى ولا يخفي تضامنه مع فرنسا، ينصرف اهتمامه لتغطية الحملة الأخرى ضد تركيا، والأنظمة التي ترعى هذه القنوات تريد أن تقول لنا بطريقة أو بأخرى، إن إرضاء نزوات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وغيرهم، أهم من الانتصار لمقام النبي عليه الصلاة والسلام.
تخوض فرنسا اليوم ومعها أنظمة غربية وعربية فصلا جديدا من حروبها على الإسلام، ومن المهم ألا نكتفي بتوجيه أنظارنا بعيدا إلى باريس لتفاعل مع هذه الحرب، وننسى الحرب على الإسلام التي تجيّشها نظم عربية في أراضينا، هذه الأخيرة هي الأشد خطرا كونها تنفذ بأيد عربية وغطاء من علماء السلطان!
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية