بدا جليًا، وفاء الشعب اليمني لثورته الأم، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، الثورة التي اجتثت الحكم الإمامي، وقلبت الموازين نحو جمهورية انتظر اليمنيون ولادتها طويلًا، وقدموا في سبيل ذلك أرواحًا ثمينة في محاولتين سبقتا 1962.
من الجميل هذا الحضور الشعبي الملفت، والمؤكِد في الوقت ذاته للتمسك بأهداف الثورة، وتجديدًا للعهد بأننا لن نحيد عن ثوابتنا الجمهورية التي أرست دعائمها ثورة سبتمبر، بكل ما فيها من نضال وعظمة، وعلى منوالها شرعنا من أجل أساس جمهوري متين، مهما كانت العقبات، ومهما حاول الإماميون الظهور من جديد، فلا يصح إلا الصحيح، وثورة سبتمبر هي الصحيح كله بالنسبة لنا كيمنيين، وكل ما بني عليها فهو تعبير عن إرادتنا، وتأكيد على مسارنا الذي شرعناه من البداية مسيرة مسيرة على خطى ذي يزن، فصنعنا أيلول صنعاء وتشرين عدن، وها نحن نخوض في عمق مسيرة أخرى، نكابد فيها كل شيء من أجل يوم آخر من أيام هذا الوطن الموعود.
يستميت الحوثيون لوأد ثورة سبتمبر، حتى أنهم اختاروا هذا الشهر لفعلتهم الشنيعة بحق الوطن وأبنائه، ودون مقدمات ذهبوا لطمس ملامح ثورتنا الأم، واستبدالها بيوم لا معالم له، سوى أنهم أعلنوا فيه نكبة من العيار الثقيل، نكبة أعادتنا للوراء، وهشمتنا للأبد، وصنعت لنا تاريخًا شنيعًا، مليئًا بالآهات والألم، ويتباهون، كأنهم صنعوا يومًا أغر، وما يومهم إلا يوم غابر، قاتم السواد، يوم جرائمي بامتياز، وأعني هنا 21 سبتمبر، اليوم الذي احتفلوا به، دونًا عن 26 سبتمبر، اليوم الذي احتفلنا به نحن الشعب، وخرجنا للميادين، نهتف لليمن بالبقاء، ولنا بمزيد من الثبات والصمود في وجه شنايع الانقلاب وأصحابه.
أشعر بتباهٍ كبير من الحشود الشعبية الملجمة لكل متحامل على ثورة سبتمبر الخالدة، وقد ردت عليه ميدانيًا، بالحضور الكبير في كل من مأرب وتعز، وعقدت تظاهرة احتفائية إلكترونية ما زال صيتها ذائع إلى اليوم، ولا أشك أبدًا أنها ستتكرر ثانية في الموعد الآخر في 14 أكتوبر، ثورتنا الثانية، التي أرست الدعائم، وضجت مضاجع الاستعمار حتى حزم حقائبه وأعلن الرحيل.
لا يتراجع اليمنيون عن حقهم في ثورة سبتمبر، حتى أن الخفوت الذي لازم احتفالاتهم قبيل ثورة الشباب وانقلاب مليشيا الحوثي، كان بسبب تبني النظام للاحتفال، والمزايدة باسم الثورة، وتحويلها إلى أداة ابتزازية، ولما بدا انقلاب الحوثيين بمثابة الخطر الداهم على ثورة سبتمبر، خرج الشعب، وثانية برز منافحًا عن ثورته، وحقه فيها، ليس كإرث الأجداد وحسب، بل كأساس جمهوري متين، بدونه لا عودة للجمهورية، ولا تجديد عهد لها.
لدينا شغف بثورة سبتمبر؛ لأنها تعبر عنا كشعب، خرجت من بين تصوراتنا الجمعية، كانت وما تزال محل إجماع شعبي، وهو الذي أعطاها القوة الكافية لقهر كل ما يقف في وجهها، حتى تمكنت من البقاء إلى اليوم، وستظل عصية على كافة مشاريع التمزيق والشرذمة، ستبقى بوهجها الذي لا يخبوا ثورة جامعة، ومحفلًا وطنيًا للتلاحم والوحدة والتماسك، لا مكان بينها لزارعي الفتن، ولا لعابدي الوثن، وسيبقى بها نبض قلبي يمنيًا، مجددًا العهد: لن ترى الدنيا على أرضي وصيا.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل