في اليمن نكتب للماء تاريخا مغايرا؛ رحلة طويلة نكتبها بالدم؛ الدم الذي يغطي 70% من مساحة اليمن.
إنها رحلة الماء، التي قتلت الكثير في بلدي؛ التي غيبت في قحطها وجوه تشبه الغيم.
رحلة الماء، منذ القدم، شردت اليمني.. والآن تجرف عشش الفقراء وأبدانهم ومواشيهم، وتغرقهم في العطش..!
الماء، هنا، ليس مادة شفافة عديمة اللون والرائحة؛ بل جسم ثقيل، لونه أحمر، وله رائحة الموت المؤلمة..!
الماء، هنا، سببا لوجود الموت وليس الحياة؛ فمياهنا مرّة بطعم الحزن، والفواجع، ودموعنا مالحة كمياه البحر.
رحلة الماء، أحدث ضحاياها طفلة لم تبلغ الحلم، أراقت رصاصة القناص دماءها نهرا من العجز، ويدا أخاها، المفجوع، رسمت على الأرض طريقنا إلى العدم..
لا فرق؛ أيها السادة المشاهدون: أن يموت اليمني غرقا في السيل، أو قنصا وهو يبحث عن الماء!..
لا فرق؛ أن نكتب عن أوجاعنا، ونبرع في وصفها، ونرص الكلمات الدقيقة المناسبة كي تلتقطها عيونكم الضيقة!..
لا فرق؛ بين مواساتنا لأنفسنا في وطن تتحول فيه النعم إلى نقم كاملة الدسم، وبين تعاطفكم الدامع الذي يعقبه الاهتمام بمشهد آخر!..
لا فرق؛ بين عدسات جوالاتكم وهي تلتقط مشهد الضحية تغرق، وبين عدسات عيونكم وهي تقرأ حروفنا ونحن نكتب..
نحن وأنتم نستلذ الوجع، وشعور الرثاء على النفس فقط، فلم يحاول انقاذ اليمن أي طرف..!
نشعر بالخجل العظيم أمامك يا وطني المتعب!..
نشعر بالعار أمامك يا تهامة، وأنت تغرقين، ويجرف الوحل أمانك، ويصبح الماء رعبك!..
نشعر بالخجل أمامك يا تعز، وقوافل الموت تصل إليك، ولا تصل قافلة ماء أمان واحدة!..
نشعر بالخجل أمام كل طفل: قُتل غرقا، أو قنصا، أو عطشا، أو حملته سيول الخراب في طريقها ضحية.
اليمن يغرق في الفوضى، والظلم، والفقر، والوحشية؛ هذا كل ما تطالعنا به كل يوم: أخبار المساء حالك الظلمة، وأخبار الصباح الذي لم يبزغ فجره بعد؛ نغرق في الشتات والفرقة والعصبية والدماء كل لحظة!..
جرائم القتل التي لا تسببها الحرب، توازي جرائم الحرب، واستباحة الدماء والأموال والأعراض!..
تجعل المليشيا الحاكمة من جنس القتلة، إلا أنها تمارس صلاحيات واسعة للقتل فقط..!!
اليمن هي "رويدا"، تلك الطفلة التي أصابت رأسها رصاصة القناص، وتحتاج ليدين، محبة ومخلصة، كي تنتشلها من الموت في لحظاتها الأخيرة..
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية