لا دور لها في العملية السياسية في كل الأنظمة المتعاقبة، أريد لها أن تكون كذلك، أرض مستباحة لمن هب ودب من ذوي النفوذ والقوة، الذين جعلوا منها مستنقعًا لملذاتهم، فقط لا غير، دون أي مشاريع حيوية تُذكر، على الأقل لتغطية مآربهم السوداء منها.
ولأن من فيها لا يعنيهم سوى لقمة عيشهم اليومية، والتي يكدون ويجتهدون من الصباح إلى المساء للحصول عليها، ولأنهم بعيدون عن مشاهد الصراع الخفية التي فرضتها الحرب في البلاد إذ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولأنهم لا يعبرون عن تبعيتهم لأحد، ولأنهم بسطاء لا انتماء لهم سوى لأرضهم المعطاءة، ولوطنهم اليمني الكبير، فقد كانوا وما زالوا جسر عبور، يدفعون ثمن تمسكهم بأرضهم وما عليها.
في كل مرة تقع فيها تهامة فريسة كارثة جديدة، فإنها لا تلقى حقها من الاهتمام والرعاية، وكأن حكمًا صدر بحقها منذ أن تبلورت اليمن كدولة ذات حدود وسيادة؛ لتبقى على حالها المعهود ضيمًا وفقرًا وانتهازية وابتزازًا ودونية، ولا يؤبه لما يجري لها من أوبئة متتابعة بدورات موسمية على مدار العام، ولا أي معالجات تذكر للأزمات الإنسانية المتفاقمة فيها، جعلت منها إحدى أكثر المناطق المتضررة في اليمن، ولا تزال، وهي كذلك منذ عقود.
تأتي كارثة السيول التي تجتاح أغلب مديريات محافظة الحديدة، في عمق السهل التهامي، تأتي لتؤكد مدى الإهمال المتعمد الذي تتعرض له تهامة، رغم الكوارث المتتابعة، والمآسي المتعددة، والأوضاع الاستثنائية التي فرضتها الحرب على ملايين السكان هناك، ممن لا يضمنون قوت اليوم الواحد.
عشرات القرى طُمرت، مئات المنازل هُدّمت، مئات المواشي نفقت، ومثلها من الهكتارات الزراعية جرفتها السيول، وحولتها إلى صحراء قاحلة لا بشر ولا شجر ولا حجر، في مشهد مأساوي للغاية، إذ لم تعش تهامة موسمًا كهذا منذ عقود، وكل من يعيش تفاصيل الموسم الذي تشهده تهامة يؤكد بأن موسم هذا العام لم يرَ له مثيلًا من قبل، حتى أن الأمطار مستمرة منذ أسبوعين وبشكل يومي وبذات الغزارة.
إن الحديث عن المأساة التهامية بما هي عليه اليوم، يتطلب جهودًا مضاعفة من الجميع، فغياب الفعل الحكومي، ووقوع غالبية مديرياتها تحت سلطة المليشيا الحوثي هو كارثة إلى كارثة السيول، ومعاناة لا حدود لها، فالحوثيون يتعاملون مع تهامة بذات العقلية السابقة للنظام الحاكم، ويزيدون على ذلك بانتهاج أساليب الطبقية والسلالية التي يتبجحون بها على اليمنيين جميعًا، وهذه كارثة تضاف لسجل الكوارث المحيط بتهامة وأهلها.
من المؤسف أن تحركات الحكومة الشرعية، وهي الجهة المعنية بالتدخل لمد يد العون عبر المنظمات الدولية والمراكز الإنسانية الإقليمية؛ كونها تتمتع بالاعتراف الدولي، وذات اليد للعمل على الوصول إلى الضحايا بالشكل الذي يمكن عبره تخفيف المعاناة والحد منها، لا كما تفعل مليشيا الحوثي المنتهجة لأسلوبها الابتزازي بوضعها شروطًا معقدة لأي جهة تعمل على التدخل من أجل إنقاذ الموقف.
لا بد من استشعار المسؤولية الاجتماعية قبل أي شيء آخر، ولا بد من العمل كجسد واحد من أجل إيقاف النتائج المؤلمة للكارثة التي لم يسبق وأن عاشها التهاميون من قبل، لنساندهم بما نستطيع، لنعمل بوتيرة عالية من أجل توصيل أصواتهم للمعنيين المحليين والفاعلين الإقليميين والدوليين، فتهامة يكفيها كوارثها التي تعيشها كل عام!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل