لا يُجمع الناس أو يلتفون حول فصيل واحد، والصوت الأوحد يُمل، ولا يلقَ من يفرض نفسه بالقوة قبولًا في محيطه مهما فعل، وإن صنع ما يدعو للتباهي فهو في نظرهم منقوص، لم يقم بما يجب عليه القيام به من دافع جمعي، ومقصد يستحق التضحية والتقدير.. هذا ما يؤكده اليمنيون فعلًا وقولًا، وهم يتمسكون بما تبقّى من الشرعية الدستورية، وإن كانت متهالكة منهكة، وإن لم يُظهروا ذلك، لكنهم لا يتوانون عن تأكيد ذلك مع أول فرصة تتاح لهم، وتمكّنهم من التعبير عن إرادتهم التي تحاول أطراف إقليمية بواسطة أتباعها القفز عليها ومصادرتها للأبد!
حين تمكّن الحوثيون من صنعاء، لم يستسلم الناس يومها، بل خرجوا للتعبير عن رفضهم لمنهجية التنكيل التي اتبعتها الجماعة، قبل أن تستخدم المليشيا كل صنوف العذاب لكل من خرج أو سوّلت له نفسه بذلك، لا يعني ذلك النهاية، بقدر ما يؤكد بأن اليمنيين لم يخضعوا لسيطرة الحوثيين، وبأن تحت الرماد نارًا تنتظر حينها لتشتعل فيمن أرادوا للصوت الوطني السكوت للنهاية، تمامًا كما دارت الدائرة، ستدور وسيجني الآخرون ثمار هذه النزوات التي يحاول الحوثيون فرضها بقوة السلاح.
اختلفنا أو اتفقنا مع مظاهرة الائتلاف الجنوبي في أبين اليوم، لكنها إشارة إيجابية، تؤكد المسار الذي لن يحيد عنه اليمنيون، والمتمثل في رفضهم لسيطرة فصيل أو حزب أو جماعة على حساب الآخرين، وانتفاضتهم ضد محاولات التقزيم والتشظي الهادفة لتمزيق الجسد اليمني والعمل على تلاشي القواسم المشتركة التي أجمع عليها أبناء الشعب، كأدوات جمعية تبقى نَظِرة على الدوام كملاجئ وملاذات يعودون إليها عند الشدائد.
لا مفر من التوافق، اليوم أو غدًا، وهو نقطة النهاية التي سيحط الجميع رحالهم عندها، شاءوا أم أبوا، فكل المتصارعين سيدخلون مرحلة الإجهاد، بعدها سيبحث كل منهم عن التفاوض للوصول إلى سلام، بأي صيغة وبالكيفية التي ستضمن بقاءه بما بقي في رصيده من نّفّس، لن يسيطر فصيل واحد ولا جماعة واحدة، ولن تكون هناك سيطرة مناطقية أو مذهبية أو سلالية على حساب ما نملك من عوامل التوحد والتماسك ثقافيًا واجتماعيًا وحتى بيئيًا.
يظن البعض أنهم أحكموا سيطرتهم، وفرضوا إرادتهم، حين يمتلكون قناة تلفزيونية أو إذاعة أو صحيفة أو منصة إلكترونية، غير مدركين أن الفضاء متاح للجميع، والحضور الإعلامي ليس دليل قوة وتمكين أبدًا، بل أحيانًا يكون مفتاحًا للكبوات والهفوات، ومصدرًا للسقوط المدوي الذي لم يحسبوا حسابه.
لا بد من وضع اعتبار لليمنيين، جميعهم دون استثناء، ولا استهانة بأحد، فمهما كانت الضغوط لكن الساحة والميدان ما زالا ملكًا لهم، وما زالوا يتحكمون بالمشهد وإن افتقدوا لوسائل التمكّن الجذرية، غير أنهم لديهم حساباتهم الدقيقة التي تصنع الفارق متى ما أرادوا إحياءها، وأعني هنا المكونات الشعبية، لا الكيانات التنظيمية، التي تحوّلت أدوات بيع وشراء لا أكثر!
لا للون الواحد، وألف لا، نعم للتنوّع، نعم للتعايش، نعم لروح الألفة والوحدة، بما يحافظ على كياننا اليمني، ويحفظ لنا بريقنا بعيدًا عن النزوات العرقية والسلالية والمناطقية، التي أثبتت وتثبت فشلها، مستخدمة أساليب الإقصاء والكراهية لفرض ما تريده، مهما كانت النتائج..
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل